جمع الجيوش و الدساكر على أهل الإرجاء المعاصر
إبطال الاستدلال بأحاديث الشفاعة على إثبات نجاة تارك أعمال الجوارح
قبل عرض أقوال أهل العلم في الجواب عن هذه الأحاديث ،أرى من اللازم التنبيه على قضية مهمة ألا وهي وجوب سلوك طريقة أهل السنة في الاستدلال على المسائل الشرعية و ضبط هذا الباب بفهم السلف الصالح ،إذ التفرد أو إحداث أقوال جديدة خارجة عن أقوال السلف الصالح مع وقوفهم على تلكم الدلائل ، يعد خروجا عن سبيلهم و سلوكا لمسالك المبتدعة و أهل الضلال ...و النظر في الأدلة الشرعية عند أهل العلم الراسخين يكون من جهتين :
1- جهة الورود و ثبوت نسبة القول إلى قائله
2-الجهة الثانية : الدلالة على الحكم الشرعي و المطلوب
و بناء على ما سلف نقول :
أما ثبوت أحاديث الشفاعة و صحتها فهذا مما لا نزاع فيه بين أهل الحق و إنكار الشفاعة في أصحاب الكبائر مسلك المبتدعة من الخوارج و المعتزلة و غيرهم ..
و لكن موطن النزاع و الخلاف مع المرجئة المعاصرين إنما هو في دلالة هذه الأحاديث على أن تارك اعمال الجوارح بالكلية مع التمكن و القدرة مؤمن ناج في الآخرة .!
و الناظر في هذا القول يمكنه جواب هؤلاء المستدلين بجوابين مجملين كافيين في إبطال هذا الاستدلال:
الأول : المنع : فيقول السلفيون :إن دعوى دلالة هذه الأحاديث على نجاة التارك لجنس الأعمال بعيدة جدا من وجوه :
الأول : هل ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هذا الفهم و الاستدلال بهذا على ما نحن بصدده خاصة وهم رواتها ،و هم مجمعون كما تقرر سابقا على كفر تارك الصلاة ؟
الثاني : هل ثبت عن السلف الذين أجمعوا على أن الإيمان قول و عمل و نية لا يجزئ واحد عن قرينيه كما تقرر آنفا هذا الفهم و الاستدلال ؟
الثالث : يحتمل أن تكون هذه الأحاديث في أناس
1- لم يتمكنوا من العمل و ماتوا من غير توبة من ذنوبهم كما قرره شيخ الاسلام و سيأتي
2- لم يبلغهم وجوب الفرائض لا سيما الصلاة كما في بعض الأحاديث أن الإسلام يدرس فلا يكون هؤلاء إلا موحدين الله جل و علا غير مشركين به و اكتسبوا ذنوبا أوبقتهم ،و عليه فهم معذرون بهذا الترك لعدم بلوغ الحجة –لا قيامها لأنها قامت ببعثة الرسل- و من المعلوم أن الشرائع لا تلتزم قبل بلوغها كما هو مقرر و لأنه لا تكليف إلا بمعلوم ..
مع العلم أن هذا خرج عن محل الخلاف
3- يحتمل كذلك أن يكون هؤلاء أتوا بأعمال و على رأسها الصلاة على وجه غير مقبول كقوله صلى الله عليه و سلم للمسيء صلاته ((صل فإنك لم تصل ))...
كل هذه احتمالات واردة و لا مرجح صريح ،و عليه فنورد الجواب الثاني ألا و هو :
هذه النصوص من قبيل المتشابه و المحتمل،و الأدلة على ركنية العمل و لزومه في مسمى الإيمان وتعليق النجاة عليه محكمة صريحة، و من طريقة أهل الزيغ اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ،و بالعكس طريقة الراسخين رد المتشابه إلى المحكم و تقديم الخاص –كأدلة كفر تارك الصلاة- على العام من جنس هذه الأدلة التي اتبعها المخالفون .!! وتقيد مطلقها بعامها و بالله التوفيق .
الرد على استدلالات الشيخ ربيع في مقاله (الحدادية تتسقط الآثار...) :
قال الشيخ :
(حديث أنس -رضي الله عنه- يفيد أن الشفاعة تتناول أصنافاً
الصنف الأول: من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان
الثاني: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان
) الثالث: من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان
قلت : إذا التزم الشيخ الأخذ بظواهر هذه الأحاديث دون الجمع بينها و بين الأدلة على كفر تارك الأعمال و دخول العمل في مسمى الإيمان ، ألزمه المخالف له بأن هؤلاء يخرجون بالتصديق المجرد عن عمل القلب !! و كذا عن النطق بالشهادتين و لا محيد من هذا و هو مذهب الجهمية !!
و قد صرح بهذا بعض من قلد الشيخ ،بلا حياء و لا استحياء لا من الله و لا من عباده فقال رائد آل طاهر من دعاة الإرجاء المعاصر ! :
(في (نصب الراية) معلقا على كلام للحافظ ابن رجب ص82:
(إذن فالذين يخرجون في آخر فوج لم يعملوا بقلوبهم و جوارحهم زائدا عن أصل الإيمان القلبي و أصل التوحيد!! )
فانظر ترى العجب و اسأل الله العافية من مذاهب المرجئة المردية و الله المستعان .
إذا قال الشيخ باشتراط عمل القلب و الإقرار بالشهادتين نظرا و جمع بين الأدلة الأخرى ألزمه الخصم بجنس صنيعه فنقول :
دلت الأدلة المحكمة على فرضية وجود الأعمال لتحقيق الإيمان الواجب و للنجاة،كما قضت الأدلة و إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة باشتراطها للنجاة و الإيمان الواجب .
و وجه تقديمها كونها خاصة مقيدة و أدلتكم عامة مطلقة
كما أن استدلالكم بالمتشابهات و هذه محكمات .
قول الشيخ ربيع :
(الرابع: صنف يشفع فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم من قال: "لا إله إلا الله"، فيقول الله له: " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله
فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم
والصنف الأخير أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف )
نورد عليه نفس الإيراد السابق فنقول :
إذا التزم الشيخ الأخذ بظواهر هذه الأحاديث دون الجمع بينها و بين الأدلة على كفر تارك الأعمال و دخول العمل في مسمى الإيمان ، ألزمه المخالف له بأن هؤلاء يخرجون بالقول المجرد عن عمل القلب و تصديقه !! فليس في الحديث ذكر لشيء من هذا ! و القول بأن الإيمان هو القول باللسان فقط مذهب الكرامية !!
فإذا قال الشيخ باشتراط عمل القلب و الإقرار بالشهادتين نظرا و جمع بين اللأدلة الأخرى ألزمه الخصم بجنس صنيعه كما تقدم قريبا و بالله التوفيق .
الاستدلال بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه و نحوه :
"(( فيقول الله -عزّ وجل-: "شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ))
و قد كفانا الإجابة عليه السلف ،و نحن على آثارهم :
قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة كتاب التوحيد ( تحقيق الشيخ محمد هراس ص317 -319 -321 -322 )
((قال أبو بكر قد كنت أمليت أكثر هذا الباب في كتاب الإيمان وبينت في ذلك الموضع معنى هذه الأخبار وأن معناها ليس كما يتوهمه المرجئة وبيقين يعلم كل عالم من أهل الإسلام أن النبي لم يرد بهذه الأخبار أن من قال لا إله إلا الله أو زاد مع شهادة أن لا إله إلا الله شهادة أن محمدا رسول الله ولم يؤمن بأحد من الأنبياء غير محمد ولا آمن بشيء من كتاب الله ولا بجنة ولا نار ولا بعث ولا حساب أنه من أهل الجنة لا يعذب بالنار و لئن جاز للمرجئة الاحتجاج بهذه الأخبار وإن كانت هذه الأخبار ظاهرها خلاف أصلهم وخلاف كتاب الله وخلاف سنن النبي جاز للجهمية الاحتجاج بأخبار رويت عن النبي إذا تؤولت على ظاهرها استحق من يعلم أن الله ربه وأن محمدا نبيه الجنة وإن لم ينطق بذلك لسانه ولا يزال يسمع أهل الجهل والعناد ويحتجون بأخبار مختصرة غير مقتصاه وبأخبار مجملة غير مفسره لا يفهمون أصول العلم يستدلون بالمتقصى من الأخبار على مختصرها وبالمفسر منها على مجملها قد ثبتت الأخبار عن النبي بلفظة لو حملت على ظاهرها كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها في شهادة أن لا إله إلا الله على ظاهرها لكان العالم بقلبه أن لا إله إلا الله مستحقا للجنة وإن لم يقر بذلك بلسانه ولا أقر بشيء مما أمر الله تعالى بالإقرار به ولا آمن بقلبه بشيء أمر الله بالإيمان به ولا عمل بجوارحه شيئا أمر الله به ولا انزجر عن شيء حرمة الله من سفك دماء المسلمين وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم واستحلال حرمهم فاسمع الخبر الذى ذكرت أنه غير جائز أن يحمل على ظاهرة كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها على ظاهرها )) اهـ
و قال رحمه الله :
((قال أبو بكر : هذه اللفظة لم يعملوا خيرا قط من الجنس الذي يقول العرب ينفي الاسم عن الشيء لنقصة عن الكمال والتمام فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي )) أ.هـ
و بنحوه قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (الإيمان ت الألباني ص 41-42 ) :
((فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَاسْمُ الْإِيمَانِ غَيْرُ زائلٍ عَنْهُ؟
قِيلَ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عِنْدَنَا غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ فِي إِزَالَةِ الْعَمَلِ عَنْ عَامِلِهِ, إِذَا كَانَ عملُه عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلصَّانِعِ إِذَا كَانَ لَيْسَ بمحكمٍ لِعَمَلِهِ: مَا صنعتَ شَيْئًا وَلَا عَمِلْتَ عَمَلًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ مَعْنَاهُمْ هَاهُنَا [عَلَى] نَفْيِ التَّجْوِيدِ، لَا عَلَى الصَّنْعَةِ نَفْسِهَا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَامِلٌ بِالِاسْمِ، وَغَيْرُ عَامِلٍ فِي الْإِتْقَانِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا بِهِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا،)) أ.هـ
قلت أبو مصعب شاهده من لغة العرب قوله عليه الصلاة و السلام كما في الصحيح للإمام البخاري :
((َاب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَكُفْرٍ بَعْدَ كُفْرٍ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
29- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ))
و ننتظر أصحاب جواب أصحاب هذا الفهم عن هذا الحديث و أمثاله !!
و عن مثل قوله عليه الصلاة و السلام ((ارجع فصل فإنك لم تصل )) !!
و قال الحافظ بن رجب : (كلمة الإخلاص المنتخب من رسائل الحافظ ابن رجب ط المؤيد)
(( وفي الصحيحين أن الله –تعالى- يقول: ((وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله )) وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أن "لا إله إلا الله" سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع، وهذا قول الحسن ووهب بن منبه، وهو الأظهر)) أ.هـ
و قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن (فتح المجيد ط12 دار ابن الأثير 46-65-69 باب فضل التوحيد و ما يكفر من الذنوب )
(( قوله : « من شهد أن لا إله إلا الله » أي : من تكلم بها عارفا لمعناها ، عاملا بمقتضاها ، باطنا وظاهرا ، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما ، كما قال الله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } . . . ( محمد ـ 19 ) وقوله : . . . { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( الزخرف ـ 86 ) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه : من البراءة من الشرك ، وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان ، وعمل القلب والجوارح - فغير نافع بالإجماع ...
و قال رحمه الله :
(( وقال البقاعي : " لا إله إلا الله " ، أي : انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم ، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة ، وإنما يكون علما إذا كان نافعا ، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه ، وإلا فهو جهل صرف ...
فدلت ( لا إله إلا الله ) على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائنا ما كان ، وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه ، وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل ودل عليه القرآن من أوله إلى آخره ، كما قال تعالى عن الجن : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا }{ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } ( الجن ـ 1 - 2 ) فلا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتا ، واعتقد ذلك وقبله وعمل به . وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل ، فقد تقدم في كلام العلماء أن هذا جهل صرف ، فهي حجة عليه بلا ريب )) أ.هـ
و قال الشيخ سليمان بن عبد الله في (تيسير العزيز الحميد باب بيان فضل التوحيد..)
(( اعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار كهذا الحديث وحديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم ومعاذ رديفه على الرجل فقال يا معاذ قال لبيك يا رسول وسعديك قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله إلا حرمه على النار قال يا رسول الله إلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما أخرجاه
ولمسلم عن عبادة مرفوعا من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله حرم الله عليه النار
ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة وليس فيها أنه يحرم على النار
منها حديث عبادة الذي تقدم قبل هذا وحديث أبي هريرة أنهم كانوا
مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة رواه مسلم
وحديث أبي ذر في الصحيحين مرفوعا ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة الحديث
وأحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام وغيره ان هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح الى الله جملة فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة لأن الإخلاص هو انجذاب القلب الى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا فإذا مات على تلك الحال نال ذلك فانه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة وتواترت بأن كثيرا ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ...))
ثم قال شيخ الاسلام :
(( فانه إذا قالها باخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا فإن كمال اخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب اليه من كل شيء فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهية لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم من النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك فإن هذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين لا يتركون له ذنبا إلا يمحى كما يمحى الليل بالنهار فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر فهذا غير مصر على ذنب أصلا فيغفر له ويحرم على النار وان قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه وهذا بخلاف من رجحت سيئاته على حسناته ومات مصرا على ذلك فإنه يستوجب النار....
..... فمن قال لاإله إلا الله ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوبا وسيئات وكان صادقا في قولها موقنا بها لكن ذنوبه أضعاف أضعاف صدقه ويقينه وانضاف الى ذلك الشرك الأصغر العملي رجحت هذه الأشياء على هذه الحسنة ومات مصرا على الذنوب بخلاف من يقولها بيقين وصدق تام فإنه لا يموت مصرا على الذنوب إما أن لا يكون مصرا على سيئة أصلا أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته والذين يدخلون النار ممن يقولها قد فاتهم أحد هذين الشرطين إما أنهم لم يقولها بالصدق واليقين التامين المنافيين للسيئات أو لرجحان السيئات أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام لأن الذنوب قد أضعف ذلك الصدق واليقين من قلوبهم فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات بل ترجح سيئاتهم على حسناتهم انتهى ملخصا )) أ.هـ
ثم قال الشيخ سليمان بعد النقل عن شيخ الاسلام :
(( وحاصله أن لا أله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله الا بإستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع ولهذا قيل للحسن إن ناسا يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال من قال لا إله إلا الله فإدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال وهب بن منبه لمن سأله أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنه قال بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له اسنان فتح لك وإلا لم يفتح ويدل على ذلك أن الله رتب دخول الجنة على الإيمان والأعمال الصالحة وكذلك النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيحين عن أبي أيوب ان رجلا قال يا رسول الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصل الرحم وفي المسند عن بشر بن الخصاصية قال اتيت النبي صلى الله عليه و سلم لأبايعه فاشترط علي شهادة ان لا أله إلا الله وأن ومحمدا عبده ورسوله وان اقيم الصلاة وأن أوتي الزكاة وأن أحج حجة الإسلام وأن اصوم رمضان وان أجاهد في سبيل الله فقلت يا رسول الله اما اثنتين فو الله ما أطيقها الجهاد و الصدقة فقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم يده ثم حركها وقال فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذا قلت يا رسول الله أبايعك عليهن كلهن ففي الحديث ان الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والحج والصيام والأحاديث في هذا الباب كثيرة وفي الحديث دليل على أنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد وبالعكس وفيه تحريم النار على أهل التوحيد الكامل وفيه أن العمل لا ينفع إلا إذا كان خالصا لله تعالى ))
((قال ابن رجب من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز و جل فإن شاء غفر له وأن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة فان كمل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه او بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات )) أ.هـ
قلت : و بعد تقريرات هؤلاء الأئمة نسأل المخالفين :
هل يتصور أن يقر العبد بالتوحيد بصدق و إخلاص و يقين و محبة و إجلال لله تعالى،على الوجه الذي ذكره شيخ الاسلام و غيره في توجيه حديث البطاقة و غيره ، ثم يمكث دهره لا يمتثل لله طاعة و لا يجتنب نهيا !! ثم يموت على هذه الحال فيدخل الجنان و لو بعد حين نعوذ بالله من انتكاس القلوب و رين الذنوب !!
أجوبة لبعض العلماء المعاصرين عن الاستدلال بأحاديث الشفاعة
1- قال الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله ردا على أدلة من لا يكفر تارك الصلاة ،و مبطلا دعوى تعارض أدلة كفر تارك الصلاة و أحاديث الشفاعة التي اعتمدها المرجئة يدفعون بها في نحر الأدلة و الإجماع السلفي في كفر تارك عمل الجوارح : ( الشرح الممتع ج2/ص 32 )
(( بقي أن يُقال: هناك أحاديث تُعارض الأحاديثَ الدَّالة على الكفر؟ فنقول: أولاً يجب أن نعرف ما معنى المعارضة قبل أن نقول بها، ولهذا نقول: حَقِّقْ قبل أن تُنَمِّقَ، هل جاء حديث أو آية تقول: مَنْ ترك الصَّلاة فليس بكافر أو نحوه؟ لو جاءت على مثل هذا الوجه قلنا: هذه معارضة، ولكن ذلك لم يكن، فالنُّصوص التي عارضوا بها تنقسم إلى خمسة أقسام :
القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة، مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116]، فإن قوله: {مَا دُونَ ذَلِكَ} يدخل فيه تَرْكُ الصَّلاة؛ فيكون داخلاً تحت المشيئة، وما كان كذلك لم يكن كفراً
فيجاب: بأن معنى قوله: {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما هو أقلُّ من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أنَّ من كذَّبَ بما أخبر الله به ورسولُه فهو كافر كفراً لا يُغفر، وليس ذَنْبُه من الشِّرك. ولو سلَّمنا أن معنى: {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما سوى ذلك؛ لكان هذا من باب العام المخصوص بالنُّصوص الدَّالَّة على الكفر بما سوى الشِّرك، والكفر المُخرج عن المِلَّة من الذنب الذي لا يُغفر، وإن لم يكن شركاً.
ومن هذا القسم: ما يكون مشتبهاً لاحتمال دلالته، فيجب حمله على الاحتمال الموافق للنصوص المحكمة، كحديث عُبادة بن الصَّامت: «خمسُ صلوات؛ افترضهُنَّ اللَّهُ تعالى، مَنْ أحسن وضوءَهُنَّ، وصَلاَّهُنَّ لوقتهنَّ؛ وأتمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ، كان له على الله عهدٌ أن يغفرَ له، ومَنْ لم يفعلْ؛ فليس له على الله عهدٌ، إن شاء غَفرَ له، وإن شاء عَذَّبه» ، فإنه يحتَمِلُ أن يكون المراد به: من لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ كلِّهنَّ؛ بل كان يُصلّي بعضاً ويترك بعضاً
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بواحدةٍ منهنّ، بل كان يَتركهُنَّ كلَّهنَّ
وإذا كان الحديث محتملاً لهذه المعاني كان من المتشابه، فيُحمل على الاحتمال الموافق للنُّصوص المحكمة
القسم الثاني: عامٌ مخصوص بالأحاديث الدَّالة على كفر تارك الصلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ بن جبل: «ما من عبدٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً عبده ورسوله؛ إلا حَرَّمه اللَّهُ على النَّار» . وهذا أحدُ ألفاظه، وورد نحوه من حديث أبي هريرة وعُبادة بن الصامت وعِتْبَان بن مالك رضي الله عنهم
القسم الثالث: عامٌ مقيَّد بما لا يمكن معه ترك الصَّلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ: «ما من أحدٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً رسول الله ـ صِدْقاً من قلبه ـ إلا حَرَّمه الله على النَّار» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عِتْبَان بن مالك: «فإن الله حَرَّم على النَّار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وَجْهَ الله» ، رواه البخاري
فتقييدُ الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصَّلاة، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويُخْلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصَّلاة ولا بُدّ، فإن الصَّلاة عَمُود الإسلام، وهي الصِّلة بين العبد وربِّه، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجه الله، فلا بُدَّ أن يفعل ما يوصله إلى ذلك، ويتجنَّبَ ما يحول بينه وبينه.وكذلك من شهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً رسول الله صِدْقاً من قلبه؛ فلا بُدَّ أن يحمله ذلك الصِّدق على أداء الصَّلاة مخلصاً بها لله تعالى متَّبعاً فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن ذلك من مستلزمات تلك الشَّهادة الصَّادقة
القسم الرابع : ما ورد مقيَّداً بحال يُعذر فيها بترك الصلاة، كالحديث الذي رواه ابنُ ماجه عن حُذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوب» الحديث، وفيه: «وتبقى طوائفُ من النَّاس: الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمةِ: لا إله إلا الله، فنحن نقولُها». فقال له صِلَة: ما تُغْني عنهم: لا إله إلا الله؛ وهم لا يَدْرون ما صلاة؛ ولا صيام؛ ولا نُسُكٌ؛ ولا صَدَقَةٌ. فأعرض عنه حُذيفة، ثم ردَّها عليه ثلاثاً. كُلُّ ذلك يُعْرِضُ عنه حُذيفة، ثم أقبل عليه في الثَّالثة، فقال: يا صِلَةُ، تُنْجِيهم من النَّار. ثلاثاً. فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمةُ من النَّار كانوا معذورين بترك شَرائعِ الإسلام؛ لأنهم لا يَدْرون عنها، فما قَامُوا به هو غايةُ ما يقدرون عليه، وحالهم تُشبه حالَ مَنْ ماتوا قبل فرض الشَّرائع، أو والحاصل: أن ما استدلَّ به مَنْ لا يرى كُفْر تارك الصَّلاة لا يقاوم ما استدلَّ به من يرى كفره؛ لأنَّ ما استدلَّ به أولئك: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون مقيَّداً بوصفٍ لا يتأتَّى معه ترك الصَّلاة، أو مقيَّداً بحال يُعذر فيها بترك الصَّلاة، أو عاماً مخصوصاً بأدلَّة تكفيره أو ضعيفاً لا يقاوم الأدلَّة الدَّالة على كفره )) أ.هـ
و قال الشيخ بن عثيمين (لقاء نظمته إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف بدولة قطر عبر الهاتف) :
((أما حديث الشفاعة أو حديث "يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط" فهذا عام "لم يعمل خيراً" ، ومعلوم أن النص العام يقيد بالخاص ، فيقال : هذا الحديث عمومه مخصوص بأدلة واضحة على كفر تارك الصلاة ، وأنه لا يخرج من النار. فما أكثر الأحاديث بل والآيات العامة التي خصصت. ولو لم نقل بذلك لضربنا السنة بعضها ببعض... نعم لو كان في الحديث "ولم يصل" كان هنا هو وجه تعارض...)) .
س : سائل آخر يقول كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عند مسلم وفيه فيخرج الله منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ؟
((ج : نفهم هذا أنه عام وأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ومعلوم عند العلماء أن العام يخصص بخاص ؛ لأن هذا الحديث لم يقل : لم يصل ، حتى نقول أنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة بل قال:"لم يعمل خيراً قط" ، فلم ينص على الصلاة بل عمم ، ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص بما خصصت به )) أ.هـ
و سئل الشيخ (مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ج2ص 48رقم171) عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم"لم يعملوا خيراً قط" فقال :
((معنى "لم يعملوا خيراً قط" أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة ، لكن الإيمان وقر في قلوبهم ، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل ؛ آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل ، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط. وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً ، فإن لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله ، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة ، وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين ، والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث : إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط ، وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لا بد أن يعمل كالصلاة ، فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار))أ.هـ و انظر أقوال ذوي العرفان للشيخ عصام السناني بتقديم الفوزان .
2- العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(شرح كتاب التوحيد باب بيان فضل التوحيد .. ط الاستقامة )
(( و قد تعلق بعض الجهلة بمثل هذه النصوص و ظن أن هذه الكلمة تكفي بمجرد القول و إن ترك الواجبات و فعل المعاصي .
و هذا مخالف لما أجمع عليه سلف الأمة من أنه لا بد من أداء الواجبات و ترك المحرمات و الوقوف عند حدود الله .
و من ترك الواجبات أو فعل المنهيات فإنه معرض لعقوبة الله و إن كان يقول هذه الكلمة و يوقن بها .و إن أتى بما ينقض إسلامه صار مرتدا كافرا لم تنفعه هذه الشهادة .فلا بد من تحقيق هذه الكلمة و مستلزماتها و إلا فهو على خطر إن لم يتب .)) أ.هـ
3- الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
( التمهيد شرح كتاب التوحيد ط دار التوحيد باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب )
((قوله : « من قال : لا إله إلا الله » المراد بالقول هنا : القول الذي معه تمام الشروط ؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الحج عرفة » يعني إذا أتى ببقية الأركان والواجبات ، فيكون معنى قوله هنا : « من قال : لا إله إلا الله » يعني باجتماع شروطها ، وبالإتيان بلازمها.
وخرج بقوله : « يبتغي بذلك وجه الله » المنافقون ؛ لأنهم حين قالوها لا يبتغون بذلك وجه الله .فإن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله » : يعني أن الذي أتى بالتوحيد ، وانتهى عن ضده ، وكانت عنده بعض الذنوب والمعاصي ، ومات من غير توبة ، فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله عذبه ثم حرم عليه النار ، وإن شاء الله غفر له وحرم عليه النار ابتداء .... .
فوجه الشاهد - إذًا - من الحديث للباب : أن هذه الكلمة ، وهي كلمة التوحيد وسيأتي بيان معناها مفصلا، إن شاء الله تعالى لما ابتغى بها صاحبها وجه الله ، وأتى بشروطها وبلوازمها تفضل الله عليه ، وأعطاه ما يستحقه من أنه حرم عليه النار . وهذا فضل عظيم ، نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من أهله )) أ.هـ
و قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله (شريط أسئلة و أجوبة في الإيمان و الكفر ) :
(( س/ يا شيخ حديث« يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» وبعض الأحاديث التي جاء فيها أنه لم يعمل خيرا قط، على أي شيء تحمل هذه الأحاديث؟
ج/ أما حديث «أخرجوا من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان» ثم قال «من كان في قلبه ذرة» إلى آخرها الحديث المعروف في الشفاعة فهذا ظاهر أنه في قلبه إيمان، وإذا كان في قلبه إيمان، هذا الإيمان لابد له من قول وعمل واعتقاد، هو قال في الأحاديث «من كان في قلبه» يعني نص على القلب لأن الإيمان ركنه الأعظم الاعتقاد، والاعتقاد في القلب، والقول ركن، والعمل ركن؛ ولكن الأعظم هو الاعتقاد، ولهذا نظر بعضهم إلى هذا الأصل الذي هو أنّ ركن الإيمان الأعظم هو الاعتقاد فجعل كل شيء يتعلق بالإيمان هو بالاعتقاد، وهذا غير صحيح .
فقوله «من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» يعني من الإيمان الشرعي، ليس هو الإيمان اللغوي الذي هو التصديق الجازم، لا، وعبر في قلبه لأن الاعتقاد هو الركن الأعظم يكون القول تابعا له، يدل على ذلك أن إبليس في قلبه من حيث الاعتقاد إيمان بالله وبوحدانيته وإيمان باليوم الآخر قال {فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[ص:79]، وإيمان بالملائكة وإيمان بالرسل إلى آخره؛ يعني عنده إيمان من هذه الجهة، يعني من حيث التصديق بما أخبر الله، وإبليس ما نازع الله جل وعلا في تصديق الخبر، وإنما نازعه في امتثال الأمر، فحق الله جل وعلا على عباده شيئان:
تصديق الأخبار
وطاعة الأوامر
والأمر والخبر شيء لأن الجمل إما أن تكون إنشائية أو خبرية، فالخبرية مدارها التصديق، والإنشائية طلب افعل أو لا تفعل، من حيث التصديق إبليس مصدّق ولكن منعه الكبر عن امتثال الأمر، وهو أحد نوعي ما يجب للرحمن جل وعلا، ولهذا قال الله جل وعلا في حقه {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة:34]، والإباء والاستكبار راجعان إلى عدم امتثال الأمر في حق إبليس.
فإذن قوله «مثقال ذرة من إيمان» إنما المقصود بها الإيمان الشرعي ليس مجرد التصديق لأنه قال عنهم {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}[النمل:14]، وفرعون عنده شيء من ذلك في آخر أمره وهكذا .)) أ.هـ
4- قال الشيخ الفوزان إجابة عن هذا الحديث وغيره :
(( هذا من الاستدلال بالمتشابه ، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَه مِنْهُ ) ، فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها .. فلا بد من رد المتشابهة إلى المحكم، فيقال من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور ، وعليه تحمل هذه الأحاديث .. لأن هذا رجل نطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل ، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل ، لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله ) .. وقال : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ( ، هذا لم يتمكن من العمل مع أنه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين ، وعليه يحمل حديث البطاقة و غيرهمما جاء بمعناه ، والذين يُخرجون من النار وهم لم يعملوا خيراً قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام، هذا هو الجمع بين الأحاديث )) أ.هـ
5- و قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في جواب عن الاستدلال بأحاديث الشفاعة على إيمان تارك العمل :
(( ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به، وهذا الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه. فلا يمكن أن يكون معنى الحديث: لم يعملوا خيرا قط أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان، وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا، وإنما المراد لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان، وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه: يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات، ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة، فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات .)) أ.هـ
و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
منقول