العذر بالجهل للعلامة الشيخ عبد الله ابن حميد رحمه الله تعالى
سئل رحمه الله في شريط : " أسباب مجد المسلمين الأوائل" السؤال الآتي :
سماحة الشيخ ؛ الذين يولَدون في البلاد الشيوعية ويموتون دهريين على حال آبائهم ولم يدروا عن الرسالات شيئا، أي أنهم لم يبلََّغوا عن الله ولا يعرفون عن الإسلام ولا غيره شيئا، فهل يؤاخَذون؟ أي هل يصدق عليهم أنهم مكلفون؟ أثابكم الله .
فأجاب رحمه الله : الإنسان الذي لم يعرف الإسلام، أولا نعرف أن هذه المسألة تكلم العلماء فيها، فقال بعضهم : القرآن بلغ كل أحد، قال الله تعالى: "لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ "، فكل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، لكن على سبيل الفرض وتنزلا مع سؤالك، تقول: إن قوما نشأوا دهريين ولم يعرفوا الإسلام ولا قرآنا ولا أي شيء بالكلية فهل يدخلون النار؟ نقول لك: لا، يُرسل إليهم رسول لأن ربك يقول: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وهذه المسألة بسطها العلامة المحقق ابن القيم في كتابه طبقات المكلفين في أواخر طريق الهجرتين، و قال: أطفال المشركين أو أطفال المسلمين الذين ماتوا ولم يبلغوا ..قيل: إنه يرسل إليهم رسول يوم القيامة ويعطون عقولا ويعطون معرفة فمن أطاع ذلك الرسول دخل الجنة ومن عصى ذلك الرسول دخل النار، واستدلوا بهذه الآية: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً "، والمسألة مبسوطة في كتاب ابن القيم طبقات المكلفين في آخر كتاب طريق الهجرتين.
و سئل في شريط (شرح كشف الشبهات الشريط الثاني ) :
أحسن الله إليك ، الذي يطوف بالقبر ويطلب المدد ، هل نقول هذا كافر أم عمله كفر؟
فأجاب : نقول عملك كفر وهذا يقتضي كفرك أيضاً ، هذا معين ، عمل كفر، نقول هذا العمل كفر وهو كافر بعمله، ونطلق عليه أنك كافر بعملك مادام أنه صرف العبادة لغير الله، لو مات على هذه الحالة لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يرثه أقاربه المسلمون، وإذا لم يمت بانت منه زوجته، حتى ولو قالها ألف مرة، لأنه من جنس من صلى بلا وضوء، فلا تصح الصلاة بلا وضوء …إيش تسوي الصلاة هذه ؟ ، هذا يقول لا إله إلا الله ولكن أفسدها وأبطل معناها باستجارته وطلبه المدد من غير الله ، لأن لا إله إلا الله تقتضي أنه لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق إلا الله ، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، والعبادة التي هو مستحق لها وحده هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، والله أعلم.
و قال رحمه الله في شرح كتاب التوحيد رقم 11
- متى تقوم الحجة ؟
من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة , لقوله تعالى ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) أي بلغه القرآن .
- وهل يشترط أن يفهم هذه الحجة ؟
لا . بل يكفي وصولها إليه , ثم عليه أن يتدبر وأن يسأل وأن يحرص على السؤال وإلا كان التقصير منه .
- وإن كان يعمل الشرك بحسن نية ويظن نفسه على خير ؟
هذا ليس بعذر ؛ فإن الله تعالى يقول ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) , ويقول تعالى ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ) الآية .
و قال رحمه الله في شرح كتاب التوحيد رقم 5 : في شرحه لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ قال من الواهنة. فقال: إنزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً )) :
"خامساً فيه من الفوائد : أن الإنسان لا يعذر بالجهل لاسيما في الشرك ووسائله، فهذا عمران ما اتخذها إلا لغرض أنها من الواهنة، أي أنها تنفعه مما فيه من تلك الواهنة، ومع هذا قال له الرسول -صلى الله عليه سلم- : (( لو مت وهي عليك ما أفلحت ))، وإلا معلوم أنه لا يمكن أن يخالف النبي -صلى الله عليه وسلم، ففيه دليل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل، بل عليه أن يسأل ويتعلم فلا يقع في الشرك من غير أن يشعر، بل لا بد أن يبحث وأن يسأل عن العلم وينظر هل هذا من الأمور الجائزة أو من غير الجائزة، فيدل على أن الشرك ووسائل الشرك لا يعذر أحد بالجهل بها، إذ عليه أن يسأل ويفهم، لأن المسلمين متفقون على أنها لا تجوز وأن القرآن والسنة دلا على المنع من ذلك، وليس هذا من باب الفروع التي يختلف فيه العلماء و يكون المجتهد فيه إما مصيب فله أجران وإما مخطئ فله أجر واحد، أما هنا لا، هذه عقيدة لا يعذر أحد بتركها لأنه يتعلق بغير الله سبحانه وتعالى و يظن أن هذا جائز، حتى ولو قال أني أعتقد أن النافع الضار هو الله، ما دام أنه اتخذ من وسائل الشرك وذرائعه فهو لا يعذر وإن زعم أن النافع الضار هو الله، لهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أنبذها بشدة وعنت.
سادساً قوله : (( لو مت وهي عليك ما أفلحت )) الفلاح هو الفوز والظفر والسعادة فإذا مات وهو على تلك الحالة انتفى عنه الفلاح الذي هو الفوز والظفر والسعادة، فصار بنقيض ذلك."اهـ
تحميل
[شرح كتاب التوحيد/الشريط الخامس]