بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد إخواني في الله: اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
إخواني : إن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين ؛ تأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، وصلاح ذات البين . وفي الكتاب والسنة نصوصٌ كثيرة تأمر بالاجتماع والألفة وتنهى عن الفرقة والشتات :
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال:1]، وقال جل وعلا: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران:103]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال:46]، وقال الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:159]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام:153]، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وروى الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ)) . وفي السنن عن زيد ابن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ)) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
إخــواني : وقد جاءت الأحاديث أيضًا عن نبينا صلى الله عليه وسلم منبِّهًا أن الخلاف والفرقة كائنٌ في الناس ؛ قال ذلك على وجه التحذير والإنذار ، كقوله عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا)) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ((لَتَتَّبِعُنَّ سنَن مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا ذِرَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ)) ، وكقوله عليه الصلاة والسلام : ((افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً))؛ والناجون هم من كانوا على مثل ما كان عليه صلوات الله وسلامه عليه وما كان عليه صحابته الكرام .
إخواني: إن الواجب على كل مسلم وكل فردٍ من أفراد أمة الإسلام أن يكون هذا المقصد الجليل نصب عينيه مهتمًا به حريصًا كل الحرص على ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة والسلامة من الفرقة والشتات ، وأن يحذر أشد الحذر من أن يكون سببًا في وجود أيِّ فرقةٍ وشتات بين أفراد أمة الإسلام ، لأن وجود الفرقة خطرٌ على الأمة عظيم ، وبلاءٌ عليهم جسيم ، ومتسبِّبٌ في تسلط الأعداء وذهاب هيبة الأمة.
إخواني في الله تعالى : ويعين على تحقيق هذا المقصد الجليل ؛ الاعتصام بالكتاب والسنة ، ولزوم هدي الصحابة الكرام ، والأخذ عن الأئمة الأكابر الأعلام ، والحذر من موجبات الفرقة أيًّا كانت ، وكثرة الاستعاذة من الشيطان ونزغه ، والحرص على لزوم الجماعة ، والنصح لولاة الأمور ، والنصح كذلك لعامة المسلمين ، مع مجاهدة النفس على تحقيق تقوى الله عز وجل ، وأن يكون رائد المرء وقائده في كل ذلك طلب رضا الله جل وعلا والسعي في نيل رضاه سبحانه .
ومن الدعوات العظيمة النافعة لمثل هذا الأمر ؛ ما رواه الحاكم في مستدركه وغيره عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ: « اللَّهُمَّ أَلَّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا ، وَأَبْصَارِنَا ، وَقُلُوبِنَا ، وَأَزْوَاجِنَا ، وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعَمِكَ ، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ ، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا » ؛ وهي دعوات عظيمات جليلٌ شأنها ، رفيعٌ قدرها ، تمسُّ الحاجة إليها ، ولاسيما عند وجود الفرقة والاختلاف ، وكثرة التشاحن والشتات ، ووجود الحسد والتباغض بين أفراد أمة الإسلام .
وينبغي علينا إخواني الحرص على الدعاء لأمَّة الإسلام جماعةً وأفرادًا بالألفة والصلاح ، وزوال الفرقة والشتات ، وتحقق اجتماع الكلمة . والله جل وعلا لا يخيِّب عبدًا دعاه ، ولا يردُّ مؤمنًا ناجاه .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.