لقد كانت فتوى الشيخ العلامة صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في حكم الليبرالية والانتماء إليها صفعة قويّة في وجوه الداعين إلى تلك الليبرالية والمنافحين عنها ومعتنقيها في هذه البلاد المباركة، حيث أصابتهم في مقتل، ممّا جعلهم يتقافزون من جحورهم للردّ على هذه الفتوى، وإبطالها، أو التشكيك فيها! فتارة يطعنون في السائل ويشكّكون في نيّته ومقصده! وتارة بلمز الشيخ واستغفاله واستجهاله، وأنّه لا يعرف معنى الليبرالية ولا حقيقتها، وهو الذي أفنى عمره في تدريس التوحيد وتعليمه والتحذير من الفرق الضالّة قديمها وحديثها! وتارة باستعداء السلطة وتحريضها على الشيخ والسائل...الخ. بل إنّ بعضهم راح يكتب ـ بإصرار أو عناد ـ عن الليبرالية ويحاول إلباسها لباس الدين للتلبيس على الناس، ويستدلّ ببعض الآيات (!)، وهو الذي صرّح من قبل بأنّه لا يمكن نشر مبادىء هذه الليبرالية في مجتمع كمجتمعنا تغلب عليه المحافظة، إلا بسلوك مسلك النفاق والتنقيب في التراث عما يؤيد ـ ولو قسراً ـ هذه المباديء لتمريرها !!!
هذا وإنّ ممّا أثاروه شغباً على هذه الفتوى: مسألة تكفير الليبرالي، وما قد يؤدّي إليه من الخروج ونحوه، ومعلوم أنّ الشيخ ـ حفظه الله ـ لم يتحدّث عن أشخاص بأعيانهم، وإنّما تحدّث عن مذهب فكري يُدعَى إليه، ويُنافَح عن، وهو في حقيقته مذهب كفري يقوم على أسس ومباديء مصادمة بل مناقضة للأسس الإسلامية والثوابت العقديّة، ولا يلزم من ذلك أن يكون كلّ من انتسب إلى هذا الفكر أو دعا إليه كافراً؛ فإنّ العمل قد يكون كفراً، ولا يكفر صاحبه؛ إمّا لكونه جاهلاً، أو متأوّلاً، أو عرضت له شبهة، حتى تقوم عليه الحجّة الواضحة البيّنة، كما هو معلوم عند أهل السنّة والجماعة. وكتب السلف ـ رحمهم الله ـ طافحة بمثل هذا.. وقد خالفهم الخوارج، فكفّروا دون تروّ أو تثبّت.
وقد يقول قائل: إذاً ما الفائدة من هذه الفتوى إن قلنا بعدم كفر كلّ ليبرالي ؟!
والجواب: الفائدة أن يعلم الناس عامّة، والدعاة إلى هذه الليبرالية خاصّة أنّ ما يدعون إليه كفر وضلال، فلا يلبّسون على الناس بإلباسه لباس شرعياً إسلامياً، أو يتبجّحون بأنّه لا يتعارض مع الثوابت الدينية والعقدية، وهم الذين يشككون في هذه الثوابت ليل نهار!!.
وللوقوف على حقيقة هذه الليبرالية القائمة زوراً على مباديء ( الحرية والمساواة والإخاء ) وجذورها الحقيقية؛ أنقل لكم ما ذكره حكماء اليهود عن هذه الليبرالية وأهلها الداعين إليها والمغترّين بها، فقد جاء في البروتوكول الأوّل من بروتوكولات حكماء صهيون: " لقد كنّا قديماً أوّل من هتف بكلمات: ( الحرية والمساواة والإخاء )، وما انفكّت هذه الكلمات تردّدها ببغاوات جاهلة، يتجمهرون من كلّ حدب وصوب حول هذه الشعارات المغرية، التي حطّموا عن طريقها ازدهار العالم، وحريّة الفرد الشخصية الحقيقيّة، التي كانت من قبل في حمى يحفظها من أن يخنقها السفلة. ولم يعرف الذين يدّعون الذكاء والعقل وسعة الإدراك من الجويم ( غير اليهود ) المعاني الرمزية التي تهدف إليها هذه الكلمات، ولم يتبيّنوا عواقبها، ولم يلاحظوا ما فيها من تناقض في المعنى. كما لم يدركوا أنّ الطبيعة نفسها تخلو من المساواة، وأنّ الطبيعة قد أوجدت أنماطاً غير متساوية في العقل، والشخصية ، والأخلاق، والطاقة، وغيرها. إنّ صيحتنا: ( الحريّة والمساواة والإخاء ) قد جلبت إلى صفوفنا فرقاً كاملة من زوايا العالم الأربع، عن طريق وكلائنا المغفّلين، وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة، بينما كانت هذه الكلمات مثل كثير من الديدان، تلتهم سعادة الجويم ( غير اليهود ) وتحطّم سلامهم واستقرارهم ووحدتهم، مدمّرة بذلك أسس الدول. وقد جلب هذا العمل النصر لنا.. ".
وجاء في البروتوكول الثالث: " تذكّروا الثورة الفرنسية التي نسمّيها ( الكبرى )؛ إنّ أسرار تنظيمها التمهيدي معروفة لنا جيّداً؛ لأنّها من صنع أيدينا، ونحن من ذلك الحين نقود الأمم قدماً من خيبة إلى خيبة ".
هذه حقيقة الليبرالية وحقيقة الداعين إليها والمتأثّرين بها، علموا بذلك أو لم يعلموا، نسأل الله لنا ولهم ولجميع المسلمين الهداية والثبات.. والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
د . محمد بن عبدالعزيز المسند