متخاذلون، انهزاميون، غير قادرين على تحمّل المواجهة، أو الدفاع عن مواقفهم. هذه بعض مكونات الصورة القاتمة لليبراليين السعوديين، التي رسمها ليل أمس مسلسل «طاش ما طاش».
ولئن بدت الصورة مبالغاً فيها، إلا أن هناك من رأى أنها تقترب من الواقع. عبّرت الحلقة بعمق عن الإشكال الذي يعيشه من يسمون أنفسهم بـ «الليبراليين»، والمأزق الذي يواجهونه في التفريق بين الواقع وما في بطون الكتب، بين ما يعيشونه يومياً وما يقدمه المفكرون من نظريات وأفكار.
كشفت الحلقة التي حملت عنوان «ليبراليون ولكن» الازدواجية التي يعيشها الليبراليون داخل منازلهم وخارجها، غير قادرين على معالجة المشكلات التي يواجهها أبناؤهم وتتسبب في ضياعهم، فالولد يترك الجامعة وينحرف ممتهناً سرقة المنازل، فيُقبض عليه ويُسجن، فيما يصرخ الأب بحياة الزعماء المناضلين عبدالكريم قاسم وخالد بكداش وكارل ماركس وفردريك أنجلز. في الحلقة حضور كبير لشخصيات تلهج بأفكار سارتر ونيتشه ومحمد عابد الجابري وأدونيس وأركون وعبدالله القصيمي. في نقاش يشبه القتال، لا مكان لمثله سوى المقاهي، حيث تصدح الأصوات الفضائية. بدلاً من الكتب شاهدنا «المزات». وبدلاً من الأقلام والأحبار وقعت أبصارنا على زجاجات الكحول، وأدخنة السجائر.
لا كلمة توحّد صوت الليبراليين. كما لا يصمدون في مواجهة الأزمات، إذ سرعان ما ينفرط عقدهم، وتتضح «وصوليتهم». فما أن منع أحدهم من الكتابة في الصحافة، لأنه انتقد غياب الثقافة البرلمانية لدى بعض أعضاء مجلس الشورى، حتى انفرط عقد المجموعة، وسارع كل واحد إلى التنصل من صداقته، وبعضهم - وهو أكاديمي - وجد فرصة للمتاجرة بالقضية لينال حظوة وظيفية. ليبراليو «طاش ما طاش» لا يؤمنون بقيم التنوير والتحديث سوى في الليل. لحظة يتطاول الكلام من دون مسؤولية، لكنهم في الواقع أبعد ما يكونون عنها.
«طاش ما طاش» كان حتى قبل أمس لا يوازي نجاحه سوى حملة الانتقادات التي يواجه بها.
ولطالما دفع هذا المسلسل المشايخ والتيار الإسلامي عموماً إلى الاعتراض والتهجّم، بل الإفتاء ضده وضد من يعمل فيه، ولطالما تردد اسم «طاش ما طاش» على منابر المساجد، في انتقادات واتهامات مباشرة. لكن حلقة أمس حولت البوصلة، وإن موقتاً، لمصلحة هذا العمل السنوي، الذي يضم نخبة من أنجح الممثلين السعوديين. وأضيفت عناصر مبالغة إلى حلقة أمس، لتعزيز روح الفكاهة، لكن بعض المقربين من التيار الليبرالي يُقرّون بأنه لا يوجد اختلاف كبير بين تلك العناصر وطرق تفكير بعضهم.
وهذا التيار طالما تغنّى بحلقات المسلسل التي كانت تهاجم الإسلاميين على مدى 15 عاماً، إلى أن وجد نفسه أخيراً في الخندق ذاته الذي كان يقف فيه الإسلاميون، وسيضطرهم ذلك لمهاجمة المسلسل والعمل على إظهار عيوبه، خصوصاً ما جاء في تلك الحلقة التي لم تخلُ من بعض الأخطاء، لاسيما اللغوية. على كل، وجد مشاهدون أن عرض تلك الحلقة لا يندرج في إطار الحرب المعلنة بين التيارين الليبرالي والمحافظ، بل يقدم رؤية واضحة عن مدى تحمّل أعضاء فريق «طاش» مسؤوليتهم، ومدى حرصهم على أن يكونوا محايدين في الطرح، بمعنى ان يكونوا على مسافة واحدة من دون أن يُحسبوا على تيار بعينه.
ويؤكد ذلك الطرح مخرج المسلسل عبدالخالق الغانم، الذي قال لـ «الحياة»: «نؤدي رسالة شفافة عن المجتمع الذي نعيش فيه». وزاد: «حلقة أمس هي رسالة واضحة ورد وافٍ على المزايدين، الذين يتهمون «طاش» بأنه مع تيار من دون الآخر». لكن إلى أية درجة سيتقبّل الليبراليون تلك الحلقة؟ ويجيب الغانم عن ذلك بالقول: «لا يفترض أن يكون لهم أي رد فعل، طالما أنهم يؤمنون بالديموقراطية»!
الخبر - سعود الريس الحياة - 23/09/07//