ذم التعصب لعالم من العلماء
بقلم ك أبو عبد الله عبد الكريم
---------------------------------------------------------------------------
نقول لكل متعصب : لامعبود بحق إلا الله و لامتبوع لنا إلا رسول الله عليه الصلاة و السلام قال الله تعالى:( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)الأعراف
قال ابن تيميَّة: أما وجوب اتِّباع القائل في كل ما يقوله من غير ذِكْر دليل يدلُّ على صحة ما يقول فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرَّسول التي لا تصلح إلا له.
وقال رحمه الله :وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلى طريقته , ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم,ولا ينصب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة, بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون .""مجموع الفتاوى "(20/164).
وقال أيضا رحمه الله : ومن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الأئمَّة دون الباقين، فهو بِمَنْزلة مَن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضيِّ الذي يتعصَّب لعليٍّ دون الخلفاء الثلاثة، وجمهور الصحابة، وكالخارجيِّ الذي يَقْدح في عثمانَ وعليٍّ - رضي الله عنهما - فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسُّنة والإجماعِ أنَّهم مذمومون خارجون عن الشَّريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسولَه، فمن تعصَّب لواحدٍ من الأئمة بعينه ففيه شَبهٌ من هؤلاء، سواءٌ تعصَّب لمالكٍ أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد، أو غيرهم.
وقال أيضا :
وجمهور المتعصِّبين لا يعرفون من الكتاب والسُّنة إلا ما شاء الله، بل يتمَسَّكون بأحاديث ضعيفة، أو آراء فاسدة، أو حكاياتٍ عن بعض العلماء والشُّيوخ قد تكون صِدقًا، وقد تكون كذبًا، وإن كانت صدقًا فليس صاحِبُها معصومًا، يتمسَّكون بنقل غير مصدق عن قائل غير معصوم، ويَدَعون النقل المصدق عن القائل المعصوم، وهو ما نقله الثِّقات الأثباتُ من أهل العلم، ودوَّنوه في الكتب الصِّحاح عن النبي، فإن الناقلين لذلك مصدقون باتفاق أئمة الدِّين، والمنقول عنه معصوم لا يَنْطق عن الهوى، إنْ هو إلاَّ وحي يوحى، قد أوجب الله تعالى على جميع الخلق طاعتَه واتِّباعَه، قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]
وقال ابن قيِّم الجوزية ـ رحمه الله ـ:" ... فلا يجوز للمسلم أن يتعصّب لأحد العلماء أو لأحد المذاهب ,ولا يقبل غير هذا المذهب ,أو لا يقبل غير هذا الرجل من العلماء؛ فهذه عصبية جاهلية.
قال أيضا : وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء.
قال الشافعيُّ رحمه الله تعالى : أجمع المسلمون على أنَّ من استبانت له سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن له أن يدَعَها لقول أحدٍ من الناس، قال أبو عُمر وغيره من العلماء: أجمع الناس على أن المقلِّد ليس معدودًا من أهل العلم، وأنَّ العلم معرفة الحقِّ بدليله، وهذا كما قال أبو عمر - رحمه الله تعالى -: فإنَّ الناس لا يَختلفون أنَّ العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدَّليل، وأما بدون الدليل فإنَّما هو تقليد؛ فقد تضمَّن هذان الإجماعان إخراجَ المتعصِّب بالهوى، والمقلِّدِ الأعمى عن زُمْرة العلماء، وسقوطهما باستكمال من فوقهما الفروض من ورَثة الأنبياء؛ فإن ((العلماء هم ورَثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظِّه، أو بحظٍّ وافر))