بسم الله الرحمن الرحيم
كان الإمام الشافعي يقول : " قال لي الإمام مالك يا محمد اجعل عملك دقيقاً ، وعلمك ملحاً " .
فانظر ـ رحمك الله ـ ماذا يصلح الدقيق من الملح ، إنها قطرات من الملح على أكوام من الدقيق فاعمل.
وكان عبد الله بن المبارك يقول : " من حمل القرآن ، ثم مال بقلبه إلى الدنيا ، فقد اتخذ آيات الله هزوًا ، وإذا عصى حامل القرآن ربَّه ناداه القرآن في جوفه : ـ والله ـ ما لهذا حُمِلت ، أين مواعظي وزواجري ؟ وكل حرف منى يناديك ويقول : لا تعص ربك .
وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا رأى طالب العلم لا يقوم من الليل يكف عن تعليمه ، وقد بات عنده أبو عصمة ليلة من الليالي ، فوضع له الإمام ماء للوضوء ، ثم جاءه قبل أن يؤذن للصبح فوجده نائماً ، والماء بحاله فأيقظه .
وقال : لم جئت يا أبا عصمة ؟ فقال : جئت أطلب الحديث .
قال : كيف تطلب الحديث ، وليس لك تهجد في الليل ، اذهب من حيث جئت .
وكان الإمام الشافعي يقول : " ينبغي للعالم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فيما بينه وبين الله تعالى ، فإن كل ما ظهر للناس من علم أو عمل قليل النفع في الآخرة ، وما رؤى أحدٌ في منامه فقال : غفر الله لي بعلمي إلا قليلٌ من الناس .
فاقبل ـ أيها المتفقه ـ على تزكية نفسك وتطهير قلبك ؛ لكى يزكو علمك وتنتفع .
قال عز وجل: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " [ الأعلى/14-15]
وقال تعالى : " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " [ الشمس/9- 10 ]
فائدة مهمة
قد يكون الأوجب في هذا الزمان أن يتواكب الأمران ، التزكية مع التعلم ؛ لأن غالب أهل الزمان يبدؤون الطلب متأخرين ، والعمر قصير ؛ فلذلك اطلب العلم ، واحرص على التزكية معه ، وليسيرا في خطين متوازيين .
يقول ابن الجوزى ـ رحمه الله تعالى ـ :
فصل : لا يصلح العلم مع قلة العمل.
رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب ، إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين ؛ لأنهم تناولوا مقصود النقل ، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها ، وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأني وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي وتكثير الأجزاء .
وجمهور الفقهاء في علوم الجدل وما يغالب به الخصم، وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء ؟
وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه لا لاقتباس علمه ؛ وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته ، فافهم هذا ، وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ؛ ليكون سبباً لرقة قلبك