الرد على شبه داود وطائفته وأتباعه
الشبهة الأولى :
قال العلامة السلفي الشهير سليمان بن سحمان نقلا عن أقوال داود بن جرجيس :
"... وأنه قد أجمع العلماء منهم الشيخ ابن تيمية وابن القيم: على أن الجاهل والمخطئ من هذه الأمة -ولو عمل ما يجعل صاحبه مشركاً أو كافراً- يعذر بالجهل والخطأ، حتى تبين له الحجة بياناً واضحاً، لا يلتبس على مثله" اهـ .
الجواب عنها :
قال العلامة سليمان –رحمه الله - : "...وأما نقله عن شيخ الإسلام وابن القيم على أن الجاهل والمخطئ ... إلى آخره.
فالجواب أن يقال:
-كلام الشيخين إنما هو في المسائل النظرية والاجتهادية، التي قد يخفى الدليل فيها. وأما عباد القبور فهم عند السلف وأهل العلم يسمون الغالية، لأن فعلهم غلو يشبه غلو النصارى في الأنبياء والصالحين، وعبادتهم.
-وأيضاً فإن هذا النقل فيه تكفير من قامت عليه الحجة، ولو في المسائل الخفية، فبطلت الشبهة العراقية.
- ومسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له لم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام، لا أهل الأهواء ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه، عرف أن هذا زبدتها وحاصلها، وسائر الأحكام تدور عليه.
-وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على المتكلمين" لما ذكر بعض أئمتهم توجد منهم الردة عن الإسلام كثيراً قال:وهذا إن كان في المقالات الخفية، فقد يقال فيها: إنه مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر منهم في أمور يعلمها الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذه أظهر شرائع الإسلام، ومثل إيجابه للصوات الخمس، وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش، والزنا والخمر والميسر، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين، كما فعل أبو عبد الله الرازي، قال: وهذه ردة صريحة. انتهى.
- قال العلامة سليمان : "فإذا علمت هذا، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله وملائكته ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل.
-وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم، ونقطع أن اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم.
-وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن حاله هكذا بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته، لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها، وقد أخبر الله عن الكفار أنهم لم يفهموا فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الإسراء: 46] والآيات في هذا المعنى كثيرة، والله أعلم.اهـ .
وأما الجواب عن قول العراقي : (حتى تبين له الحجة بياناً واضحاً، لا يلتبس على مثله) .
فقد أجاب عنه العلامة سليمان –رحمه الله – فقال :
-"أقول: هذا تحريف لكلام الشيخ، فإن الشيخ لم يقل حتى تتبين له الحجة ... إلى آخره، وإنما هي زيادة عراقية، وإنما قال الشيخ: (ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) .
فقوله: (حتى تتبين له الحجة بياناً واضحاً لا يلتبس على مثله) إنما هو فهم الحجة .
-وفرق بعيد بين قيام الحجة وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم.
-ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والإنقياد لما جاء به الرسول، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ، وقال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الإسراء: 46] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.
-ويقال أيضاً: فرض كلام شيخ الإسلام وتقديره في الأمور التي قد يخفى دليلها، مما ليس هو من ضروريات الدين، ولا هو من الأمور الجلية، بل هو في الأمور النظرية والاجتهادية. والله أعلم" اهـ . (انظر الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق: 371-375 مع تصرف يسير ) .
قلت أبو عاصم : خلاصة الجواب السابق :
1-التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في الحكم فيكفر في الظاهرة ولايشترط فيها فهم الحجة بخلاف المسائل الخفية فلا بد من فهم الحجة .
2-عباد القبور لا يدخلون تحت المسائل الخفية بل هي من المسائل الظاهرة .
3- مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له لم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام، لا أهل الأهواء ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة وهي زبدة الرسالة .
4- من بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله وملائكته ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل[1] .
5- من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم .
6- لا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والإنقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
7- أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم[2]، ونقطع أن اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم[3].
8- فرض كلام شيخ الإسلام وتقديره في الأمور التي قد يخفى دليلها، مما ليس هو من ضروريات الدين، ولا هو من الأمور الجلية، بل هو في الأمور النظرية والاجتهادية.
[1] بمبعثه صلى الله عليه وسلم انتفى العذر بالجهل قاله العلامة الفوزان –حفظه الله -
[2] قال تعالى : {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الإسراء: 46]
[3] دل هذا على أن الأمر خطير جدا على عقيدة من لم يكفر وأن المسألة أصبحت بين كفر وإسلام لابين سنة وبدعة ، ولكن يبقى سؤال مهم : هل سليمان بن سحمان بعد هذه الأحكام الشديدة يكون حداديا ؟!! .