إذا لم نحكم شريعة رب الأرباب حكمنا قانون الغاب
إذا حكم ولاة الأمر بغير ما أنزل الله وقع البأس و التقاتل و التنافر و انتشر الرعب في الأقطار و الأمصار و البلدان و الأوطان و لن ينعم شعب بالأمن و الأمان إلا بتحكيم كتاب الله و السنة رسوله عليه الصلاة و السلام ،ولم ولن يفلح أي حزب علماني أو ديمقراطي أو اشتراكي أوحداثي أو مدني… في جلب الأمن و الإستقرار مهما كانت شعبيته و كثر أتباعه ومهما كانت قوانينه ومشروعه و أفكاره وهذا معلوم مشاهد في واقع الأمة لا ينكره إلا من ذهب عقله أومن جحد قول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) [رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني]
يقول ابن تيمية:(و((ولي الأمر)) إن عرف ما جاء به الكتاب والسنة حكم بين الناس به، وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به، وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كل يعبد الله على حسب اجتهاده، وليس له أن يلزم أحداً بقبول قول غيره وإن كان حاكماً. وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا؛ فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم؛ قال النبي (: ((ما حكم قوم بغير ما أنزل الله؛ إلا وقع بأسهم بينهم)) وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره؛ فيسلك مسلك من أيده الله ونصره، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه؛ فإن الله يقول في كتابه:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ . الذينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ في الأرْضِ أقاموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ وأمروا بالمَعْروفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وللهِ عاقِبَةُ الأمورِ}؛ فقد وعد الله بنصر من ينصره، ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله لا نصر من يحكم بغير ما أنزل الله ويتكلم بما لا يعلم؛ فإن الحاكم إذا كان ديِّناً لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالماً لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكماً عاماً في دين المسلمين؛ فجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، ونهى عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نهى الله عنه ورسوله؛ فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي {لَهُ الحَمْدُ في الأولى والآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعونَ}، {الذي أرْسَلَ رُسُلَهُ بالهُدَى ودينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى باللهِ شَهيداً}
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم)*. من كتاب شيخ الاسلام ابن تيمية
قال العلامة التقي الورع الزاهد العابد بن القيم الجوزية رحمه الله وطيب ثراه :
(( لَمّا أعرَضَ النّاسُ عن (( تحكيم الكتابِ والسّنّة )) والْمُحاكَمة إليهما واعتَقَدُوا عدمَ الاكْتِفَاء بهمَا وعدَلُوا إلَى اللآرَاء والقِياسِ والاستِحسَانِ وأقْوالِ الشّيُوخِ ، عرَضَ لهم من ذلكَ فَسَادٌ فِي فِطَرِهِم وظُلْمَةٌ في قُلُوبهم وكَدَرٌ فِي أفهامهم ومَحْقٌ في عُقُولهم . وعَمَتْهُم هذه الأمورُ وغَلَبَت عَلَيْهِم ، حتّى رُبّيَ فيها الصّغيرُ وهرَمَ عليها الكبيرُ ، فَلَم يَرَوْهَا مُنْكَراً . فَجَاءَتْهُم دَولَةٌ أخرَى قَامتْ فيها البِدَعُ مقَامَ السُّننِ والنّفْسُ مقَامَ العقْلِ ، والهوى مقامَ الرّشْدِ ، والضّلالُ مقَامَ الْهُدَى ، وَالْمُنكَرُ مقَامَ المعرُوفِ ، والجهلُ مقامَ العِلم ، والرّياءُ مقَامَ الإخلاصِ ، والباطِلُ مقَامَ الحقّ ، والكَذِبُ مقَامَ الصّدقِ ، والمداهَنَةُ مقَامَ النّصِيحة ، والظّلمُ مقَامَ العدْل ، فَصَارَت الدّولَةُ والغَلَبَةُ لهَذِه الأمورِ ، وأهلُها هُمُ الْمُشَارُ إليهم ، وكانت قَبْلَ ذلِكَ لأضْدادِها ، وكانَ أهلُهَا همُ المُشارُ إليهم .
فإذا رأيتَ دولةَ هذِه الأمور قد أقبَلَتْ ورايَاتها قد نُصِبتْ وجُيُوشُها قد رَكِبَتْ ، (( فَبَطنُ الأرضِ واللهِ خيرٌ منْ ظَهْرِها ، وقُلَلُ الجِبالِ خيرٌ من السّهُولِ ، ومُخالَطَةُ الوَحْشِ أسلمُ من مخالطَة النّاسِ )) .
اقشَعَرّت الأرضُ وأظلَمتِ السّماءُ وظَهَرَ الفَسَادُ في البرّ والبحرِ منْ ظُلْمِ الْفَجَرَةِ ، وذَهبتِ البركات وقلّت الخيرات وهَزَلَتِ الوجُوهُ وتكدّرت الحياةُ من فِسْقِ الظّلَمة ، وبكى ضوءُ النّهار وظُلمةُ اللّيلِ من الأعمالِ الخبيثَة والأفعالِ الفَظِيعَةِ ، وشَكَا الكِرامُ الكَاتِبُونَ والمعقّبات إلى ربّهم من كثْرَةِ الفَواحِشِ وغَلَبة المنكرات والقبائِح . وهذا والله مُنذِرٌ بسيْلِ عذابٍ قد انعقَدَ غَمَامُه ، ومُؤْذِنٌ بِلَيْلِ بلاءٍ قد ادلهمّ ظَلامُه ، فاعزِلُوا عن طريقِ هذا السّبيلِ بتوبة نصُوح ما دامت التّوبَةُ مُمكِنةً وبابُها مفتوح ، وكأنّكم بالباب وقد أُغلِقَ وبالرّهنِ وقد غَلِقَ وبالجنَاح وقد علقَ { وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُون } .