1-حكم ناقل كلمة الكفر
قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى -: وأما: ناقل الكفر ليس بكافر, فليس بمرفوع, وفي كلام العلماء ما يدل على أن المسألة ليست على هذا الاطلاق؛ بل فيها تفصيل يتلخص في أن حاكي الكفر عن الغير يختلف حكمه باختلاف القرائن؛ فإن كانت الحكاية لغرض شرعي, فالأمر كذلك لإجماع أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم التي صنفوها, وبحالهم ليبينوا ما فيها من فساد ليتجنب، وليبطلوا شبهها عليهم، ومن أدلتهم على ذلك أن الله تعالى قد حكى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم, والتحذير من كفرهم, والوعيد عليه بالعقاب في الدارين, والرد عليهم بما بينه في حكم كتابه، وكذلك وقع في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة, وإن كانت الحكاية على وجه الاستحسان لمقالة المحكي عنه فلا شك في كفر الحاكي واستحقاقه ما يستحق المحكي عنه، وقد عقد القاضي عياض في الشفاء بابًا أطال فيه في بيان هذه المسالة فليراجعه السائل فإن فيه ما يقنعه. والله الموفق. اهــ.
2-من قال كلمة الكفر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلوم:
فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامدًا لها عالمًا بأنها كلمة كفر فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا, ولا يجوز أن يقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنًا ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام, قال الله سبحانه: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". اهــ
وقال في الفتاوى الكبرى: ثُمَّ إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ وَلَا الْإِذْنُ فِي التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ، بَلْ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا فَيَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ .. اهــ
وقال أيضًا: وَالرَّجُلُ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَصَالِحِ دُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةِ اعْتِقَادٍ صَحَّ كُفْرُهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ مُعْتَقِدًا لِحَقِيقَتِهَا، وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ الْكَذِبِ جَادًّا وَلَا هَازِلًا، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ أَوْ الْكَذِبِ جَادًّا، أَوْ هَازِلًا كَانَ كَافِرًا، أَوْ كَاذِبًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِهَذَه الْكَلِمَاتِ غَيْرُ مُبَاحٍ، فَيَكُونُ وَصْفُ الْهَزْلِ مُهْدَرًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَتَبْقَى الْكَلِمَةُ مُوجِبَةً لِمُقْتَضَاهَا اهــ
وفي الحاوي الكبير للماوردي الشافعي: فَأَمَّا إِذَا أَظْهَرَ المسلم كلمة الكفر ولم يعلم إكراهه عليها, ولا اعتقاده لها, فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ لَا إِكْرَاهَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ رُوعِيَتْ حَالُهُ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهَا وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْإِكْرَاهِ فِي قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مُكْرَهًا، فَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ اعْتِقَادُهُ لِلْكُفْرِ, وَإِنْ كَانَ عَلَى صِفَةِ الِاخْتِيَارِ مُخْلَى السَّبِيلِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مُخْتَارًا فَيُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَهَا مُكْرَهًا. اهــ
وقال ابنُ نُجَيم: إنَّ من تكلَّمَ بكلمةِ الكفرِ هازلًا أو لاعبًا كفرَ عند الكلِّ، ولا اعتبارَ باعتقادِه. اهــ
جمع أبو عبد الله عبد الكريم