بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيبا على مقال ورد في صحيفة الجزيرة الأحد 02 ذو الحجة 1429 العدد 13212 بعنوان : ( يا عيباه !)
أقول و بالله التوفيق ،
أولاً: و صف الكاتب الدولة السعودية بأنها من الدول الأقل مساواة ، لذا أقول :إن الشريعة الإسلامية التي تحكم بها المملكة أنصفت الرجل و المرأة على حد سواء و لم تهضم حق أحد منهما ، لذلك راعت كل منهما في الحقوق و الواجبات وهنا يجب أن يعلم أن خصائص الخلق و التكوين هي أساس الحقوق و الواجبات فهذه مشتقة من تلك مبنية عليها ، و إن أي مساواة لا تراعي التمايز و الفروق في الخلق و ما يتبعه من القدرات ، تخرج من العدل الذي يقوم عليه الإسلام إلى الظلم الذي يرفضه بجميع صوره ؛ لذا فإن الإسلام يعدل عن المساواة بين الرجال و النساء إلى العدل بينهما .
ثانياً: عزى الكاتب منع الاختلاط إلى سبب اجتماعي ، و وصف العزل بأنه أمر ما أنزل الله به من سلطان !
و هذا قول فاسد باطل فالاختلاط محرمٌ معلومٌ تحريمه من دين الإسلام بما لا مرية فيه، ولا يستثنى من ذلك إلا ما يصعب التحرز منه، فالسبب في منع الاختلاط شرعي وليس كما يزعم الكاتب.
ومما يدل على ذلك:
- ما رواه البخاري أنَّ أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه ، ومكث يسيراً قبل أن يقوم . قال ابن شهاب: فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن مَنْ انصرف من القوم.
- ما جاء من العمومات عنه صلى الله عليه وسلم من منع الاختلاط وما يؤدي إليه، وجعل لمن يصلين في المسجد في زمانه عليه الصلاة والسلام باب خاصٌ بالنساء ، وقال : \" لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد \" .
إلى غير ذلك مما هو معلوم في محله ولا يتسع المقام للاستطراد فيه، وفيه الدلالة القاطعة على تحريم الاختلاط المطلق بين الرجال والنساء.
ثالثاً: يزعم الكاتب أن اختلاط الرجال بالنساء ينتج عنه قوة الاقتصاد ثم بنى على ذلك استقرار المجتمع !!
و الجواب على هذا القول من وجهين :
- أن المرأة في مجتمعنا الإسلامي غير ممنوعة من التكسب ما كان هذا التكسب مضبوطا بالضوابط الشرعية والتي يأتي في مقدمها عدم اختلاطها بالرجال، و لها مطلق الحرية في التصرف في أموالها فتبيع، و تشتري ،و تعمر ،و تؤجر، و تنمي أموالها لكن ( بضوابط ) و على ذلك فهي مساهمة في الاقتصاد و بدون اختلاط فليس الاختلاط عينه هو سبب النماء الاقتصادي كما يزعم .
- أما بالنسبة للنتيجة التي خلص إليها الكاتب ( اختلاط = اقتصاد قوي = مجتمع مستقر ) فنتيجة نقيضها الصواب، إذ هذه النتيجة مخالفة للواقع و تزييف للحقيقة فـ( اختلاط = مجتمع مضطرب ) كما هو معلوم , و الواقع أقسط شاهد على ذلك فدونك الحقائق :
- ورد في كتاب الإحصاء الوطني الصادر عام 1997 م عن إدارة الاقتصاد و الإحصاء بمصلحة التجارة الأمريكية بلوغ الحالات المسجلة للإصابة بمرض نقص المناعة ( إيدز ) خلال الفترة 1981-1996م أكثر من 560 ألف حالة.
- بلغت جرائم الاغتصاب عام 1995م أكثر من 97 ألف جريمة.
- وفي دراسة للمؤسسة الوطنية البريطانية للبحث التعليمي, نشرت في 8 يوليو 2002 , وأجريت على 2954 مدرسة ثانوية في انجلترا لدراسة مدى تأثير حجم المدرسة ونوعها (مختلطة أو غير مختلطة) على أدائها التعليمي , تبين أن أداء الطلبة الذكور والإناث كان أفضل دراسيا في المدارس غير المختلطة و أن الفتيات كن أكثر استفادة من الفصل بين الجنسين في تنمية أدائهن .
- و قد جاء في مقالة للكاتبة الشهيرة ( اللادي كوك): بجريدة ( الايكوما) ما نصه : ( إن الاختلاط يألفه الرجال، وقد طمعت المرأة فيه بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ... ) (...علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بالكيد الكامن لهن ).
- وتقول (Lin Farley): في كتابها (الابتزاز الجنسي): (... إنّ تاريخ ابتزاز المرأة العاملة جنسياً قد بدأ منذ ظهور الرأسمالية، ومنذ التحاق المرأة بالعمل ).
- و قد حدا مثل هذه الدراسات و القناعات التي توصل إليها بعض الغربيين بعض مؤسسات المجتمع المدني و على رأسها مؤسسة (Single Sex Education ) إلى السعي إلى توعية المجتمع الأمريكي بخطر الاختلاط , وقد نجحت و بعد سجال دام ما يقارب 10 سنوات مع بعض المعارضين في إقناع الحكومة , فكان أن أصدر الرئيس جورج بوش في عام 2006 قانون يسمح بفتح مدارس حكومية غير مختلطة .
فأي استقرار هذا ؟!!
رابعاً: يزعم الكاتب: أن هذا العزل يترتب عليه تبعات أخلاقية نتيجة حرمان المرأة من أن تتلمس رزقها!
فما هذا القلب للموازين ؟ العزل ينتج عنه تبعات أخلاقية ، و الاختلاط ينتج عنه مجتمع مستقر! قليل من الواقعية هداك الله.
فالقول بأن الاختلاط سبب رئيس لوقوع الفتن ، و المصائب الاجتماعية أمر مسلم به عند العقلاء ، و الواقع خير شاهد.
خامساً: عبارات هي ديدن الكاتب في كثير من مقالاته (هل يعقل أن جميع الناس على خطأ بينما نحن على صواب)
فأقول عدم تطبيق حكم الشرع في هذه المسألة لدى هذه الدول لا يعني أنهم على صواب، و إذا كانت حكومتنا الرشيدة تطبق هذا الأمر و إن كانت لوحدها لا يعني أنها على خطأ.
و قد قال الحق: ( و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )، فهذا إبراهيم عليه السلام أتى عليه زمن لا يعبد الله في الأرض إلا هو و زوجه فهل يدل ذلك أنه على خطأ ( لأنه وحده ) و أهل الأرض قاطبة على صواب لأنهم الأكثر !!! حاشا و كلا .
و قد قال ابن مسعود رضي الله عنه: الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك.
فلا عبرة بالكثرة أو بالقلة إنما العبرة بالحق فأينما كان الحق يجب أن نكون ، و إن كان الغالب أن الحق يكون مع القلة ، وقد قال الفضيل ابن عياض–رحمه الله- عليك بطريق الحق و لا تستوحش لقلة السالكين و إياك و طريق الباطل و لا تغتر بكثرة الهالكين) .
و أما قوله: أن هناك أمور كان يرفضها المجتمع ثم تعود الناس عليها والتي منها كما يزعم: تعليم المرأة......... الخ
فأقول:
أن المجتمع و العلماء خاصة لم يكونوا يعارضون ( التعليم ) تعليم المرأة و إنما كانت المعارضة على الاختلاط في التعليم وغير ذلك من الأمور المخالفة.
قال الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله –:
) وقد عارض بعض المسلمين في تعليم المرأة بهذه الصفة، خوفاً من فتنتها، وحذراً من ضررها على المجتمع، في المستقبل بعد مدة. وألفتُ نظر ولاة الأمور، إلى أنه لا مانع من توسيع تعليم المرأة على المنهج الذي يقره الدين وتعاليمه).
وقال الشيخ محمد بن حمدان – رحمه الله – ردًا على من طالب بتقليد الدول الأخرى في مجالات تعليم البنات! : ( ليتكم يا هذا: تطالبون بتعليم البنات، في حدود ما رسمه الدين الحنيف، وتكتفون بذلك، إذاً لرحبنا بذلك، وأيدناكم. (
ومما يعزز ما ذكرت آنفا في عدم معارضة العلماء لتعليم المرأة أن أول رئيس لتعليم البنات كان فضيلة الشيخ : محمد ابن إبراهيم ( رحمه الله ) .
- - و أما إلغاء الرق فقد كان هناك اشتراط شروط في تحرير الرقيق ليكون عتقا على الوجه الصحيح و يتضح ذلك من هذا الخطاب للشيخ محمد ابن إبراهيم –رحمه الله – إلى صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء الذي جاء فيه :
الطرق التي يجب اتخاذها حيال تحرير الرقيق
(.........لا يخفى ما لهذا الموضوع من الأهمية الكبرى ، لما يترتب عليه من لزوم حفظ حقوق الذين يجري عتقهم من جهة ، وحفظ حقوق بيت المال وهو الولاء من جهة أخرى ، وما يتفرع من ذلك من المسائل الشرعية المهمة .
والطرق التي أشرنا إليها سهلة جداً ولا تتعارض مع ما قصدتموه من تعجيل العتق وتسهيل معاملته ، بل هي كمتمة له ، وشيء يقتضيه الأمر الشرعي والواجب الديني .
إذا علم هذا مع ما هو معلوم أن الحكومة لم تعوض إلا من ثبت ملكيته للرقيق الذي تحت يده فإنه ممكن حصر ما تضمنه قرارنا بالسالف الذكر في مسألتين:
الأولى : أن على بائع الرقيق أن يقر بالبيع على الحكومة ، ويحرر بهذا الإقرار صك شرعي .... .
الثانية: أن يصدر تفويض من ولي الأمر للقضاة في عتق جميع الأرقاء الذين تم شراء الحكومة لهم كل في جهته، لإيقاع العتق بلفظ العتق الصريح، وبناء على إسناد ذلك إليه من ولي الأمر. نأمل موافقة سموكم على ما قررناه ، والأمر بتعميمه لمن يعنيهم الأمر لإنفاذ موجبه ........ )
رئيس القضاة
(ص/ق1190/1 في 10/8/1383)).
و اشتراط الشروط في مسألة تحرير الرقيق نظرا لما لهذا الموضوع من أهمية بناء على ما يترتب عليه هذا العتق من أحكام شرعية ليست بخافية على من له أدنى اطلاع في كتب الفقه .
ولو سلمنا معارضة العلماء لذلك فهو أمر سائغ لما في إلغاء الرقيق من تحجير واسع .
- و أما إنشاء التلفزيون فالمعارض إنما هو ما يبث في التلفاز من مخالفات شرعية و يدل على ذلك ما جاء في فتوى للشيخ ابن باز –رحمه الله – بعدما حذر من مشاهدة النساء العاريات أو شبه العاريات ، وكذلك الرجال الذين قد كشفوا عن أفخاذهم لما في ذلك من الفتنة و الوقوع في المحظور قال : ( وإنما يرى من التلفاز وغيره ما فيه مصلحة كمشاهدة الندوات الدينية ، أو العلمية ، أو الصناعية ، أو غيرها مما ينفع المشاهد ، أما كونه يشاهد أشياء محرمة فلا يجوز) .فهذا موقف واضح لعلمائنا الأجلاء في التلفزيون .
و ما يدعم هذا القول أنه عند ظهور القنوات المحافظة اقتناها الكثيرون ممن يعارض ما يعرض في التلفاز من أمور مخالفة لأحكام الدين .
و أما الموسيقى في الإذاعة فمن الذي اعتاد عليها ؟ فلا زال الكثير من عامة الأمة و خاصتهم من العلماء ينكرون الموسيقى و الانتشار لا يدل على انتقاله من منكر إلى معروف !!
أما التعميم على المجتمع ( كله ) في إقرار هذا الأمر فمجرد دعوى لا دليل عليها، و الواقع يخالفها.
فأطالب الكاتب بالتحري قبل الكتابة، فالحكم على الشيء بلا نظر يسمى (تحكم) فأي مقال يكتب يحتاج إلى المصداقية، و هذا أمر معلوم بالضرورة عند كل من يعرف للكلمة قدرها.
و مقابلة للعبارة ( قليل من العقل يرحمكم الله ) التي ختم بها الكاتب المقال ، أختم بقول قوام السنة الأصبهاني – رحمه الله- : ولا نعارض سنة نبينا بالمعقول ، ...... لأن العقل ما يؤدي إلى قبول السنة فأما ما يؤدي إلى إبطالها فهو جهل لا عقل . اهـ
فالعقل هو تطبيق حكم الشريعة في سائر الأمور والتي منها الاختلاط و ما عداه فهو جهل لا عقل.
( حقوق النشر غير محفوظة )
الرئيسية 
