كي لا نسقط في الهاوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد أخفق العلمانيون في محاولتهم إقناع الأمة بأفكارهم، واستمروا على اختلاف اتجاهاتهم شراذم قليلة معزولة لا تمت إلى عامة الأمة بِصِلَةٍ، وبعد فترة طويلة اتجهوا إلى تطوير استراتيجيتهم؛ فمن محاولة التأثير على الأفكار إلى محاولة تغيير السلوك والأخلاق وتفكيك الأسرة وإفساد المجتمع وطمس هويته من داخله، والقيام بتفريغ عقول الأمة من قيمها وإغراقها بالشهوات من دون ضابط شرعي أو حاجز أخلاقي.
والمتأمل في واقع الأمة اليوم يلمس نجاحًا كبيرًا تحقق للقوم في هذا الاتجاه، وكان المدخل الكبير والباب العريض الذي ولجوا منه إلى ذلك هو التأثير على المرأة دفاعًا عن حريتها وإرجاعًا لحقوقها المهدرة ـ فيما زعموا ـ.
ويعود هذا النجاح إلى أسباب عديدة يمكن إجمالها في جوانب ثلاثة:
الأول: أسباب تعود إلى المرأة والمجتمع، وأهمها:
- الجهل المفرط في أوساط كثير من النساء بقيم الإسلام وأحكامه ومقاصده، وقد زاد من خطورة هذا الأمر عمليات التشويه التي يمارسها العلمانيون تجاه التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة عن طريق تناولها بشكل مجزأ يجعلها بعيدة عن التشريعات التي وردت في سياقها، مع إغفال متعمد لبيان مقاصد الإسلام من تشريعها؛ بهدف إظهار قصورها وتجاوز العصر لها ووقوفها حجر عثرة في طريق نيل المرأة لحريتها وحقوقها.
- ظاهرة ضعف الإيمان لدى كثير من النساء نتيجة عدم قيام المؤسسات التربوية في المجتمعات الإسلامية بالدور المنوط بها تجاه هذا الأمر، وتركها الحبل على الغارب لصواحب السوء وذوي الشهوات ليقوموا عبر الوسائل المختلفة بالسيطرة على عقل المرأة ومشاعرها ومن ثَمَّ تحديد اتجاهاتها وتوجيه ميولها حسب ما يشتهون.
- غفلة كثير من النساء عن حقيقة رسالتهن في الحياة، والدور المنوط بهن في بناء الأمة وصيانتها من عوامل الزيغ والانحراف.
- قيام بعض النساء المترفات بتبني دعوات العلمانيين وبروزهن واجهة لكثير من الأنشطة المقامة، وتوفيرهن للدعم المعنوي والمادي الذي تحتاجه بعض الأنشطة،إضافة إلى تغريرهن بقطاع عريض من النساء اللاتي جرت العادة بقيامهن بتقليد مترفات المجتمع وكبرياته لعظم جهلهن وضعف إيمانهن.
- أن جزءًا كبيرًا من المحافظة الظاهرة لدى كثيرات يعود إلى أعراف قبلية وتقاليد اجتماعية متوافقة مع الشرع دون أن يكون لها بعدٌ إيماني في نفوس كثيرات، ومن المعلوم أن الأعراف والتقاليد ليس لها طابع الثبات بل هي قابلة للتبدل بمرور الوقت خصوصًا متى تغيرت أوضاع المجتمع: علمًا وجهلاً، غنىً وفقرًا، انفتاحًا وانغلاقًا، ويتسارع هذا التغير حين توجد جهات تخطط للتغيير وتستخدم سبلاً ملتوية تحتفي فيها بالقديم ـ إذا احتفت ـ معتبرة إياه تراثًا لعصر مضى، وتلمِّع فيها ما تريد نشره وتجعله من متطلبات التقدم وعلامات الرقي والنهضة.
- الانحراف العام والانحطاط الشامل الذي أصاب المجتمع المسلم في كثير من جوانب الحياة المختلفة،والذي بدوره كان له أكبر الأثر في ضعف كثير من النساء وقيامهن بالتفاعل مع الطروحات العلمانية بشكل ظاهر.
الثاني: أسباب تعود إلى العلمانيين، وأهمها:
- عملهم بهدوء وبأساليب خافتة حرصًا على عدم الدخول في مواجهات مكشوفة، وسعيهم إلى تحقيق أغراضهم المشبوهة عن طريق لافتات وشعارات مقبولة، مع الحرص على الاستفادة بأقصى مدى ممكن من بعض أهل العلم وبعض المحسوبين على الدعوة لقبول أعمالهم من قِبَل العامة وتسويغها أمامهم شرعًا من جهة، ولإحداث شرخ في صفوف العلماء والدعاة من جهة أخرى.
- استفادتهم من مرحلة الضعف والهوان التي تمر بها الأمة، ومن قوة الغرب النصراني - حيث يرتبطون به ويعملون على تحقيق مصالحه بصورة فجة - والذي يضغط بقوة في سبيل فرض حضارته وهيمنة قيمه وشيوع سلوكياته في المنطقة تحت مسميات مختلفة كالعولمة والديموقراطية ودعاوى حقوق الإنسان وحرية المرأة وحرية الاعتقاد إلى آخر القائمة.
- إبرازهم لصور الظلم التي تقع على المرأة في مجتمعاتنا، واتخاذها موضوعاً ومدخلاً للحديث عنها بهدف تحقيق مآربهم وإشاعة السلوكيات والأخلاق التي يروجون لها ويدعون النساء إلى تطبيقها.
- العمل على زعزعة الثقة بين العلماء والدعاة من جهة والمرأة من جهة أخرى بهدف إيجاد فجوة بينها وبين الدين، وذلك عن طريق وصمهم لأهل العلم والدعوة بالتخلف والجمود وعدم عيش الواقع وإدراك متطلبات العصر والوقوف حجر عثرة في طريق نهضة المرأة ورقيها، والتسبب في صور الظلم الحاصلة عليها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.
استهواء المرأة وإغرائها وتزيين ما يشتهون لها عن طريق الاستفادة من بعض الخصائص التي تتمتع بها إجمالاً كقوة العاطفة وسرعة التأثر وضعف الخبرة في مجريات الحياة ومكائدها،وحب التزين والرغبة في الترفيه.
- تحسين صورتهم لدى المرأة وكسب ثقتها عن طريق إقامة بعض المؤسسات الطوعية التي تقدم بعض الأنشطة الاجتماعية والجمعيات التي ترفع عقيرتها بالمطالبة بحقوق المرأة وإنصاف المجتمع لها.
منقول