عولمة العدالة: الطاقة النووية نموذجاً
عبد الحق بوقلقول* - الجزائر
14/2/1427هـ الموافق له 14/03/2006 م
منذ عدة أشهر تحرص كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب فرنسا (أعضاء دائمون بمجلس الأمن) بالارتكاز على مجهودات كبيرة تقدمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إعادة تنشيط معاهدة عدم الانتشار النووي التي خرجت إلى النور في العام 1968، والتي تعني باختصار شديد رغبة الدول الكبرى في أن يكون العالم منقسماً إلى معسكرين اثنين: معسكر نووي وآخر محرّم عليه أي طموح من هذا النوع.
لقد سمحت الحملات الإعلامية والسياسية الكبيرة وغير المتسامحة التي خاضتها هذه الدول منذ عقود بأن يُفرض على عدد كبير من البلدان القبول بهذا الواقع، والالتزام به؛ بمعنى أنه يُحرّم على باقي الدول التفكير في الاستفادة بأي شكل من الأشكال من هذا النوع من الطاقة التي يمنحها اليورانيوم المخصب؛ لأن هذا الأخير يتيح فرصة تصنيع القنبلة النووية، وبالتالي فإن بلداً كالجزائر مثلاً التي رفضت التوقيع على نص المعاهدة سالفة الذكر لمدة (25) سنة كاملة بحجة حرصها على الاتفاق بأن يكون الحوض المتوسطي بكامله خالياً من أسلحة من هذا النوع؛ في إشارة واضحة إلى دولة الكيان الصهيوني، إلا أنها وأثناء سنوات الاقتتال الداخلي الذي عاشته في العقد الأخير وجدت نفسها وجهاً لوجه في مقابل حملة غربية تتحدث عن وجود طموحات نووية لديها، فاضطرت إلى الإمضاء تحت وطأة التصعيد، ولكن موقفاً كهذا لم يكن متوقعاً يوماً من قادة "إسرائيل "، والتي لا تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة غير التقليدية التي في مقدورها أن تدمر كوكب الأرض بكامله فحسب، ولكنها تتمكن على الرغم من ذلك من مخادعة الرأي العام العالمي، وتدير ظهرها لتوصيات المؤسسات الدولية من غير أن يشجب أحد مثل هذا الواقع، فضلاً عن أنه يغرق العالم الإسلامي كله في حالة من الحيرة والذهول والهلع أيضاً.
تذكير لا مناص منه:
القنبلة النووية في الواقع هي المرادف اللغوي لكلمات على وزن القوة والقدرة والعصمة والرعب بالنسبة للضحايا، وحري بنا أن نعرف أنه ومنذ بداية القرن الماضي، كانت آلية الانشطار الذري الشغل الشاغل لعدد كبير من العلماء، فكمية الحرارة المنبعثة من وقوع انشطار وحيد هي في الحقيقة مذهلة؛ فهي تماثل عشرة آلاف ضعف أي احتراق تقليدي آخر، ويعود الفضل في كيفية التوصل إلى التحكم في سلسلة الانشطار الذري إلى العالم الفيزيائي الإيطالي (إنريكو فيرمي) في 2 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1942، لقد كان ذلك الاكتشاف يعني لأول مرة في التاريخ البشري قدرة الإنسان على التحكم في الطاقات الهائلة.
إلا أن البدء الفعلي في الاستعمال السلمي لهذه الطاقة لم يقع إلا في العام 1973 بمناسبة أزمة النفط الشهيرة حين بُدئ في العمل على إقامة مفاعلات نووية لغرض إنتاج الطاقة الكهربائية، والتي يفوق عددها اليوم (450) مفاعلاً تمتلك الولايات المتحدة نصيب الأسد منها (120) وحدة، تليها فرنسا (59) التي تنتج ثلاثة أرباع احتياجاتها الكهربائية بهذه الطريقة.
الاستعمال الآخر للطاقة النووية يكمن في القيام بتحرير كل الطاقة في ظرف زمني قصير جداً من رتبة جزء من الثانية للحصول على ما يُعرف بالقنبلة الذرية، لقد كان (ألبرت آينشتين) و(إدوارد تيلر) (أب القنبلة الذرية) هما مَن حرضا الرئيس الأمريكي: هاري ترومان في العام 1945 على استعمال هذا "الاكتشاف" الجديد لأجل وضع نهاية للحرب العالمية الثانية، وهو ما وقع فعلاً بعد أن أمر هذا الأخير بقنبلة ناغازاكي ثم هيروشيما اليابانيتين (6 و 9 آب/أغسطس 1945) على الرغم من أن اليابانيين أبدوا استعدادهم للاستسلام.
تمر دورة تخصيب اليورانيوم باختصار على ثلاث مراحل: بداية بحرق اليورانيوم الخام للوصول إلى نتيجة على شكل عجين يدعى (Yellow Cake)، ثم مرحلة تحويل هذا الناتج إلى الحالة الغازية للحصول على ما يسمى (UF4) ثم (UF6) لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة المتمثلة في الحصول على اليورانيوم المخصب الذي يمكن الوصول إليه على طريقتين: الطرد المركزي أو الانتشار الغازي، الطريقة الأولى والتي هي الخيار الذي يعتمده الإيرانيون تتم من خلال وضع الغاز في معدات مركزية الطرد، ثم تسريعها لتصل إلى درجة (600) دورة في الثانية.
بالمختصر إن لليورانيوم استعمالين متناقضين؛ ففي الوقت الذي يمكن الحصول على الطاقة الكهربائية من خلال مراقبة سلسلة التخصيب إلى درجة 3%، يتطلب الاستعمال الثاني تخصيباً كثيفاً لا يقل عن نسبة 90%.
القدرات النووية الإسرائيلية: