الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد
قامت العقيدة الإسلامية على التمييز والمفاصلة بين الناس ، فهذا مؤمن وهذا كافر ، وهذا له أحكام والآخر له أحكام مخالفة
يقول تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2) سورة التغابن
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية
" وقوله: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } أي: هو الخالق لكم على هذه الصفة، وأراد منكم ذلك، فلا بد من وجود مؤمن وكافر، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال، وهو شهيد على أعمال عباده، وسيجزيهم بها أتم الجزاء"
فليس هناك من صنف ثالث
وتحديد اسم معين للإنسان مرتبط ارتباطًا قويًا بالعقيدة ، لأن ثمرة هذا الاسم أحكام جمة ، والشرع لن يتركها هملًا
فكل إنسان له اسم وكل اسم له أحكام ، فحكم المسلم غير الكافر غير المبتدع غير الفاسق وهكذا, ويتولد عن كل حكم أحكام كثيرة وأهم حكم يتفرع عن اسم الإنسان هو عقيدة الولاء والبراء ، متى يكون لهذا الإنسان الولاء ومتى يكون له البراء !!
لذلك مسألة العذر بالجهل من الأهمية بمكان فالخلل فيها يؤدى إلى خلل في أمور كثيرة
أقوال أهل العلم في توضيح مدى أهمية معرفة حكم كل إنسان ومعرفة حدود الله عز وجل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " " إذا تبين ذلك فاعلم أن " مسائل التكفير والتفسيق " هي من مسائل " الأسماء والأحكام " التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا ؛ فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين وحرم الجنة على الكافرين وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان "
المجموع 12/468
وقال أيضًا " وكلام الناس في هذا الاسم ومسماه كثير ؛ لأنه قطب الدين الذي يدور عليه وليس في القول اسم علق به السعادة والشقاء والمدح والذم والثواب والعقاب أعظم من اسم الإيمان والكفر ؛ ولهذا سمي هذا الأصل " مسائل الأسماء والأحكام "
المجموع 13/58
وقال أيضًا " " فإن الخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في اسم محدث ، ولا كالخطأ في غيره من الأسماء إذ كانت أحكام الدنيا والآخرة متعلقة باسم الإيمان والإسلام والكفر والنفاق "
المجموع 7/395
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله " أعني مسائل الإسلام والإيمان والكفر والنفاق مسائل عظيمة جدًا، فإن الله علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة، واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة، حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، ثم حدث خلاف المرجئة، وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان "
جامع العلوم الحكم ص66 ط ابن الجوزي تحقيق طارق عوض الله
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمهما الله " وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة. مثال ذلك: أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان. والجهل بالحقيقتين أو إحداهما أوقع كثيرًا من الناس في الشرك وعبادة الصالحين، لعدم معرفة الحقائق وتصوره "
منهاج التأسيس والتقديس ص12
وقال الشيخ أبا بطين رحمه الله " ومما يتعين الاعتناء به، معرفة ما أنزل الله على رسوله، لأن الله سبحانه ذم من لا يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، فقال تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (97) سورة التوبة .
قال شيخ الإسلام: ومعرفة حدود الأسماء واجبة، لأن بها قيام مصلحة الآدميين في المنطق الذي جعله الله رحمة لهم، لا سيما حدود ما أنزل الله على رسوله من الأسماء، كالخمر والربا؛ فهذه الحدود هي المميزة بين ما يدخل في المسمى، ومايدل عليه من الصفات، وبين ما ليس كذلك، وقد ذم الله سبحانه من لا يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله "
الدرر السنية 12/74-75
ويقول الشيخ حسين بن غنَّام النجدي " ولاشك أن مسائل الإسلام والإيمان عظيمة الشّأن؛ لا يجوز أن يغفل عنها الإنسان أو يهملها أهل التوحيد والإيمان بل الواجب المتعين بذل الوسع في تحقيقها والاجتهاد والجدّ حتى يتبين سبيل الرشاد؛ ويتميز الصواب والسداد؛ لأن الله علق بها السعادة والإسعاد, وعلق على ضدها وهو الكفر والنفاق والشقاوة والهلاك يوم التناد"
العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين– ص 52
هذه مكانة مسألة الأسماء والأحكام ، مسألة جد خطيرة وهامة يترتب عليها نتائج كثيرة من صلب العقيدة الإسلامية وأوضح عقيدة فاسدة تتولد عن عدم ضبط مسألة العذر ، هي عدم وضوح عقيدة الولاء والبراء أوتميعها