منتدى التوحيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى التوحيد

 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخول  التسجيلالتسجيل  
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» لتعليم بالعمل
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالإثنين 18 أكتوبر - 20:04 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» شرح نخبة الفكر الشيخ يعد بن عبد الله لحميد
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالسبت 15 مايو - 13:40 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» الجهود المبذولة في قتل الإسلام سعد بن عبدالله الحميد
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالسبت 15 مايو - 0:47 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» أثَرُ الأكثَرِيَّةِ في تقويةِ قَولٍ ما (تاركُ الصَّلاةِ كَسَلًا أُنموذَجًا)
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالخميس 13 مايو - 0:39 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» أحكام زكاة الفطر
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالأربعاء 12 مايو - 3:52 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» الأقوالُ الرَّاجِحة المُتعقِّلة في أنَّ ليلةَ القَدْرِ مُتنقِّلة
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالثلاثاء 11 مايو - 23:12 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» إخراجُ زكاةِ الفِطرِ نُقودًا مجانِبٌ للصَّوابِ
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالإثنين 3 مايو - 13:50 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

»  فائدة منتقاة من كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للإمام أبي بكر عبد الله ابن أبي الدنيا -رحمه الله-.
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالإثنين 3 مايو - 1:55 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» العلم
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالأحد 2 مايو - 3:48 من طرف أبو عبد الله عبد الكريم

» مطوية (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ‏)
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالإثنين 6 أبريل - 13:41 من طرف عزمي ابراهيم عزيز

المواضيع الأكثر نشاطاً
بطاقات وعظية
مطوية (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ)
مطوية ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي )
حكم الاشتراك في ثمن الشاة الأضحية بين الأخوة الأشقاء
مطوية (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)
مطوية_فضائل العشر من ذي الحجة وتنبيهات حول أحكام الأضحية والذكاة
مطوية (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
موقع الجماعة المؤمنة أنصار الله
مطوية ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)






 

 عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو عبد الله عبد الكريم
أبو عبد الله
أبو عبد الله



عدد المساهمات : 1917
نقاط : 6032
تاريخ التسجيل : 14/03/2011
العمر : 45
الموقع : منتدى أنصار الحق

عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Empty
مُساهمةموضوع: عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن.   عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن. Emptyالسبت 31 ديسمبر - 11:27

عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن.


بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


مُقَدِّمَة

الحمدُ لله العليّ الكَبِير ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إلاّ هُو وَحدَه لا شَريكَ لَهُ الحكيمُ الخبير ، أَنزَلَ القُرآنَ ، وَأَمَرَ بالإِيمان ، وَجَعَلَ الإِسلامَ الدينَ الثابتَ الأَركان ، وَفَرَضَ الدخولَ فِيِه كافَّة ، على الكافَّةِ من الإنسِ والجان ، وحَكَم على كُّلِّ مَنهَجٍ يُعارِضُه ، أَنَّه ضَربُُ مِن الشِركِ والكُفران ، وتخليطُُ مِنَ الهَذَيان ، واتِّباعُُ للشَيطان ، وَسَبيلُُ إِلى الضلالِ والخُسران.
وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ علَيهِ وَعلى آلِه وَصحبِهِ وَسَلّم ، عبدُ الله ورسولُه ، أَرسَلَه بالمحجّة البيضاء ، والملِّة السَمحاء ، فَأَتى بأَوضِحِ البَراهِين لأَقوَم ديِن ، وَأَبان مَحَجّةَ السالِكِين ، وَحَكَمَ عَلى كلِّ مَن عَصاه وَخالفَ مَنهَجَهُ أَنَّه مِن الضّالِّين الخاسِرِين ، وَبَعـــــد :

فِإِنَّه لَمَّا كَثُر في الآوِنِة الأَخيرةِ تَرديدُ كَلِمِةِ(اللِيبراليِّةِ) عَلى أَلسنِةِ النِّاس ، وَعَلى صَفحاتِ الصُّحُفِ اليَوميِّة وَغَيرِها مِنَ وَسائِل الإعلام ، بَعدَ أَن نَشَأَت أَحزابُُ في الكُويت تَنتَسِبُ إِلى هذِهِ العَقيدةِ الضالَّة ، وَغَدَت تَدعُو إِلى مَبادِئِها الهَدَّامةِ ، مِثــــــل :

الدعوة إلى ترك الاحتكام إلى الشريعة الإلهيِّة بدعوى اللحاق بركب المستقبــــــل.

وإلى السماح بنشر الدعوة إلى الكفر والإلحاد ، بدعوى التسامح والانفتاح على الثقافات الأُخرى احتـــرام حريِّة الرأي والنشر والتعبير.

وإلى الهبوط من سموِّ الأخلاق الإسلامية ، إلى حضيضِ الرذائل البهيميِّة ، تحت شعار الحريّة الشخصيّة.

وإلى محاربة الفضيلة وحجاب المرأة والعفاف والشيم الكريمة .
وإلى الحضِّ على اختلاط الرجال بالنساء في كل موقع بصورة مشينة خارجة عن حدود الشريعة وضوابط الحشمة ، تحت ستار اتباع الحياة العصريّة .

وغدت هذه الأحزاب تحضُّ الناس على اعتناق هذه العقيدة التي تُدعى(الليبراليَّة) ، وما هي سوى تخاريف شيطانيَّة ، ابتدعها فلاسفة من أوربا ، حقيقة أمرهم أنهم زنادقة لا يؤمنون برب معبود ، ولا بيوم مشهود ، ولا يدينون بشريعة إلهيِّة يلتزمونها ، ولا برسول يطاع ويتبع ، وإنما غاية مرامهم ، تزين المنكرات ، واتباع الشهوات ، والكفر بخالق الأرض والسماوات .

و أما هذه الأحزاب الضاَّلة فغاية مقصدها هدم الشريعة الإسلاميَّة وإلغاؤها بالكليَّة ، أو عزلها من الحياة ، وحصرها في المسجد والعبادات الشخصيَّة ، ولهذا فهي تصف أحكــــام شريعة الله ـ تعالى عما يقول الظالمون علـــواً كبيراً ـ بالظلاميّة والرجعيّة ، يصفونها بذلك تارة بالتلويح خوفا من ردود الفعل لدى أهل الغيرة على الدين ، من عامة المجتمع الكويتي ، وتارة بالتصريـــــح ، وذلك عندمــا يأمنون وينفردون بأمثالهم من الشياطين.

وهدف هذه الأحزاب هو إلحاق الأمة الإسلاميِّة ، بمناهج الغرب المتهتِّك الضالِّ الملحد الكافر ، وطمس معالم الأخلاق الإسلاميِّة ، وصد الناس عن التمسُّك بتعاليم الكتاب العزيز ، والسنة النبويِّة الشريفة ، بدعوى اللّحاق بركب الحضارة المعاصرة ، كأنَّ الحضارة لا تكون إلا بالكفر والإلحاد ، أو التهتك والانحلال والفساد .

لماّ كان الأمر كما وصفت آنفا ، رأيت أن أكتب هذه الرسالة الموجزة ، فأبيّن فيها بعبارة قريبة من القارئ العادي ، حقيقة المذهب (الليبراليّ) ، وأنه ليس سوى وجه من وجوه العلمانيّة اللادينيّة الرافضةِ لمنهجِ الله تعالى المتمثِّل في دين الإسلام ،والمستنكفةِ عن اتباعِ رسولِهِ صلَّى الله عليه ِوسلَّم فيما جاء به من الحقّ والهدى المبين.

كما أبيِّن مواطنَ السمِّ الزعافِ في هذا المذهب الخطير ، وأكشف الخطر الماحق الذي يشتمل عليه هذا الفكر ، وأنه الكفر بالله والصد عن دين الإسلام لاشيء سوى ذلك ، واضعاً أمام القارئ ، ما الذي سيؤدي إليه انجراف المسلميــن وراء هذه الأحزاب العلمانيّة .
وذلك كي ما تستبين سبيل المجرمين ، وليأخذ المؤمنون حذرهم كما أمرهم الله تعالى ، وليأخذوا على أيدي المفسدين فيهم ، وليحذروا من اتباع هذه الأحزاب ، وليمنعوا رموز هذه الأحزاب ما استطاعوا من الوصول إلى المواقع التي تمكنهم من تطبيق أفكار حزبهم الخبيثة على المسلمين .

وليهلك من هلك عن بيِّنة ، ويحيى من حيَّ عن بيِّنة ، ولإقامة الحجة ، وبيان المحجَّة ، وليقذف الله بإذنه بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، ولنصر الدين القويم ، والصراط المستقيم ، تقرباً إلى ربِّ العرش العظيم ، منزل القرآن الحكيم ، والحمد لله رب العالمين.

المؤلف




أولا: بيان معنى العلمانيّة التي هي أمّ الليبراليّة:

تعريف العلمانيّة :

العلمانيّة تعرف في البلاد التي نشأت فيها ( أوربا ) بـ :

ألاّ يكون الإنسان ملزما بتنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير مفروضة على أنها شريعة أو إرادة إلهيِّة .

ويطلق على هذا الفكر في اللغة الإنجليزية التي هي لغته الأصلية SECULARISM ، وهي تعني (اللاَّدينية ) ، غير أنهـــا اشتهرت باسم ( العلمانيّة) ، ولعلَّ ذلك كان مقصوداً بغيةَ إلباسها لبوساً يجعلها مقبولة بين المسلمين.

وفي قاموس (أكسفورد) عرفت بما يلي :

( العلمانيـَّــــة مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني ) .

الأركان التي تقوم عليها العلمانية :

العلمانية تقوم على ثلاثة أركان هي :

الركن الأول : قصر الاهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، ليكون من ممارسات الإنسان الشخصيَّة ، فلا يصح أن يتدخل في الحياة العامة ، وأما الدار الآخرة فهي لما كانت أمر وراء الطبيعة ، فينبغي ـ في دين العلمانية ـ أن يكون مفصولا تماما عن التأثير في الحياة المادية ، وقوانينها المحسوسة .

الركن الثاني : فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليـم الدين ، أيِّ دين كـــــــان .


الركن الثالث : إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.






كيف وصلت العلمانيّة إلى العالم الإسلاميِّ والكويت :


بيَّنا معنى العلمانية في أصل منشئها ، وقد نقلت كذلك بهذا المعنى إلى بلاد الإسلام ، مع الاستعمار الأوربيِّ الذي هيمن على البلاد الإسلاميّة إثر سقوط الدولة العثمانيّة ، وقد تحمّل الدعوة إلى العلمانيّة بعض المثقفين من العرب وغيرهم في بلاد الإسلام ، ودعوا إلى تطبيق نظريّاتها حرفيّا ، كما دعوا إلى تبنِّي نظرة العلمانيّة لدين الإسلام ، كما كانت تنظر للدين النصرانيِّ المحرف في أوربا سواء بسواء ، ذلك أن العلمانيّة لا تفرّق بين الأديان في أنه يتحتَّم فصل كلِّ منها عن شئون الحياة العامَّــة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتشريعيَّة ...الخ.

وذلك أنَّه ليس في الفكر العلمانيّ تمييز بين الأديان ، فلا يفرّق بين دين أصله من إنزال الله تعالى ، وآخر من وضع البشر ، كما لا ترى العلمانيّة أي فرق في الأديان التي أنزلها الله ، فلا فرق لديها بين دين محرف وآخر محفوظ ، بل الأديان كلها سواء ، يجب أن تعامل معاملة واحدة ، على أساس الأركان الثلاثة السابقـــة .

وقد انتشرت العلمانية في بلادنا الإسلامية ، حتى وصلت الجزيرة العربيِّة مهد الإسلام ، ومهبط الوحي ، ودخلت الكويت أول ما دخلت مع ابتعاث الطلبة في الخمسينات الميلاديِّة للدراسة في الخارج ، فرجع بعضهم مشبَّعا بالأفكار العلمانية ، فتبنَّتها شخصيَّات بارزة ، وأحزاب وصحف ومؤسسات كثيرة .



العلمانيــــة قــد لا تنصب العداء للدين علانية ، بل تكيد له كيدًا خفيًا :

العلمانيّة ليست بالضرورة معادية للدين ، بل إنَّها أحيانا تفضل توظيف الدين والاستفادة منه ، ولكن مع ضرورة حصره في ناحية من نواحي الحياة ، ولهذا قد لا تجد العلمانيّ يطعن في الدين ، بل قد يمدحه ويمجده ، بل قد يقول إنه يجب المحافظة على الدين.


ولكنك إذا سألته هل أنزل الله تعالى دين الإسلام ليكون هادياً لنا في كل أمور حياتنا ، فلا يجوز لنا أن نرفض شيئاً منه ، فإن جوابه لا يخرج عن ثلاثة احتمالات :





الأول : أن يفر من الجواب إذا خشي على نفسه من التصريح بمنهجه العلمانيّ خوفا من ردة فعل الناس ، كما يفعل السياسيّون عند خوفهم من خسارة الأصوات الإنتخابيّـــــة.

الثاني : أن يقول بوضوح وصراحة أن الدين يجب أن نعزله عن السياسة والثقافة والفكر ، وعن حياتنا الاجتماعية ، كما أنه لا يصح أن نجعل الدين هو الحكم على كل شيء في الحياة بالصواب أو الخطأ ، وهنا قد يقول العلمانيّ أن الدين له أن يحكم في أمور الروح ونحوها من الأمور الغيبيّة ، فكأنـَّه ينزل الدين منزلـة الكهانة.

وقد يحاول هذا الصنف من العلمانيين أن يكون لطيفا في عبارته : فيقول : إن الدين علاقة بين الإنسان وربه ، ولا يعدو أن يكون مسألة شخصية.

وقد يحاول بعضهم أن يتحذلق قليلا فيقول : نحن لا نريد أن نفسد الدين بإدخاله في السياسة أو الخلافات الحزبيّة والثقافيّة والفكريّة ، ويقول في صورة الناصح الأمين : دعوا الدين في المسجد فهناك حيث يُحترم ويُوقَّر ، ولا تلطّخوه بالدنيا الدنيئة ، فالدين للآخرة.

وهذا القول حقيقته هدم لدين الإسلام وشتم قبيح له ، وطعن خبيث فيه ، لأنه في حقيقته رمي للدين بأنه قاصر لا يصلح لتسيير حياة البشر ، وما مثـل هذا القول الماكر إلاّ كمثل من يشـير على ملك من الملوك ، بأن لا يُقحم نفسه في التصرف في أمور مملكته بشيء.

ويقول له في كيد خفي : إن تدخلك يفسد هيبتك وجلالك ، فدع أُمور المملكة لهؤلاء المتصارعين على الدنيا ، وارتفع أنت في عرشك عن نزاعاتهم فهي لا تليق بك ، فكأنه في حقيقة الأمر يقول للملك : تنح وتنازل عن سلطانك وأمرك ونهيك وملكك ، وكن كالصورة الجامدة التي لا حراك فيها، والتمثال الأصم الأبكم ، وإنما يقول ذلك لكي يُفسَح السبيل فيتسنَّى لغير الملك أن يستحوذ على قوِّة السلطان الحقيقيِّة ، قوة الأمر والنهي والحكم والفصل في شئون المُلك والسلطان ، ثم يصير أمر الملك إمّا إلى أن يكون اسما بلا حقيقة ، أو يسلب منه الملك سلبا تامّا، فلا يبقى معه منه اسم ولا رسم ، فيهوى إلى مرتبة العبيد والسوقة ، بعد الملك والعز والسلطان.

ومثل هذا الكيد الخبيث يريده هذا الصنف من العلمانيّين بالدين ، عندما يزعمون أنهم عليه مشفقون ، فيطالبون بتنحيته عن مجالات الحياة ، وهذا الأسلوب خطير جدا ، لأنهم يلبسون به الحق بالباطل ، ولهذا يستعمله العلمانيّون كثيرا لإضلال الناس والتلبيس عليهم.

الاحتمال الثالث : أن يقول العلمانيّ : إن الدين كله حق ، والاحتكام إليه واجب ، ولكن أين الذين يطبقونه كما أنزل ، ثم يأخذ بعد ذلك بالطعن في حملة الدين واتهامهم بأنهم يستغلون الدين لمآربهم الشخصيـــة ، ويسميهم ( متأسلمـــــون ) أو ( أهل الإسلام السياسي) أو ( المتاجرون بالدين ) ...الخ وهو يقصد الطعن في الدين نفسه ، ولكن بطريقة ملتوية خبيثة ، لأنه يريد أن يقول : لا نستطيع تطبيق دين الإسلام والعمل به في كل شئون الحياة ، لأنه لا يوثق بأحد يمكنه تطبيقه أبداً ، فإذاً النتيجة واحدة ، وهي أنه لا يمكن للناس بحال من الأحوال تحكيم الشريعة الإسلامية في شئون حياتهم !!!

وكأن هذا الصنف من العلمانيين يحاول القول عن دين الإسلام ، إنه دين فاشل غير واقعي ولا عملي ولا يمكن تطبيقه أبداً ، فيجب أن ننحي الكلام على تطبيقه جانباً ، إذ لا فائدة من تطبيقه في الحياة ، غير أنهم يعدلون عن التصريح بهذا القول الكافر ، إلى عبارات أخرى بطرق ملتوية خبيثة ، وقــد تنطلي على السذج من الناس.

وبهذا يتبين أن العلماني قد لا يكون ذلك الشخص الذي يطعن في الدين جهاراً نهاراً ،أو يسب القرآن والسنة والأحكام الشرعية ، أو يستهزأ بالشريعة الإسلامية ،وإن كان فيهم من قد تصل به الوقاحة إلى هذا الحد ، يقلّون أو يكثرون بحسب قوة الإسلام في المجتمــــع.

بل العلمانيّ هو كل من يعتقد أنه غير ملزم باتباع جميع ما جاء عن الرسول صلَّى الله عليه وسلم ، هو كل من يجعل نفسه مخيراً أن يرفض بعض أحكام دين الإسلام ، وهو كلُّ من يعتقد أن الدين ليس شاملا لكل الحياة ، وأن الإنسان يمكنه أن يختار من أحكام الدين ما يشاء ويدع ما يشاء ، متبعاً في ذلك عقله ، ومتخذاً إلهه هواه.

ثمَّ إنَّ هذا البعض من دين الإسلام والذي يرفضه الشخص العلمانيّ ، قد يعتقد أنه لا يصلح للحياة المعاصرة ، لزعمه أن العقل يقضي بذلك ، فقد يقول لك ـ على سبيل المثال ـ إن المرأة غير ملزمة بالحجاب الشرعي لأنه لا يصلح لهذا الزمان ، أو يزعم أن المرأة لها أن تكون قائدة ورئيسة لكل الأمّة ، لأنّ حديث ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) لم يعد صالحا للعمل به في هذا العصر.

أو أن الحدود الشرعيّة لا تصلح للتطبيق في هذا الزمان لأنها وحشية لا تليق بالإنسان المتحضّر ، أو لأنّها تحط من كرامة الإنسان ، أو لأنّها تناقض ميثاق حقوق الإنسان العالمي الذي يجّرم قطع يد السارق أو جلد الزاني ، والقوانين الوضعيّة تصلــــــح لأنهــا تناسب مستجدات العصر الحديث.




أو يقول إن النظام الاقتصاديّ لا يمكن أن يقوم على تحريم الربا لأن ذلك أمر غير واقعي ، أو يقول إن تعبير الملحد عن إلحاده والإباحيّ عن إباحيّته بنشر فكره في المجتمع ، هو من قبيل توفير الحريّة ، ولا يجوز كبت الحريّات ، وإذا قلت له إن الإسلام يحرّم نشــر الإلحاد والإباحيّة ، قال لك : إن العصر قد تغيّر ، والزمان قد تحوّل ، ونحن في عصر الحريّة والعولمة ، وغير ذلك من الهذيان والتخبط الذي يقصد به محاربة الدين بأساليب ملتوية.

والعلمانيُّ في كل ما سبق وأمثاله مما يرد به العلمانيُّون بعض أحكام الشريعة ، يزعم أنه ينطلق من عقله أو من اتباع زعماء حزبه الذين يقلدون مفكِّري الغــرب الملحدين ، وأولئك قوم كفار نصبوا عقولهم آلهة يعبدونها من دون الله ، وذلك عندما اتخذوها أربابا تُشرّع لهم.

ذلك أنَّ العقل هو الحاكم عند العلمانيين على أحكام الشريعة الإسلامية ، وعلى هدى القرآن والسنة ، وليست الشريعة الإسلامية عندهم هي التي توجّه وترشد وتهدي العقل الإنسانيِّ ، بل وظيفة العقل عند العلمانيين هي الاعتراض على أحكام الله تعالى كلّما جاءت معارضة لعقولهم الضالّة التائهة ، وعمل العقل عندهم هو استبدال شريعة القرآن ، بأحكام أو أفكار أو قوانين أو مبادئ توافق عقولهم.

فهم إذن يعبدون عقولهــم وأهواءهم كما قال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان 43 ، 44

وقال سبحـــــانه ( ومَن أَضلُّ ممَّن اتَّبعَ هواهُ بغيرِ هدى مِنَ الله ) القصص 50

وقال سبحانه (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) المائدة 49.

إلى آخر الآيات التي تذم اتباع الهوى ، وتحذر من معارضة الدين المنزل والشريعة المطهرة بالأهواء ، ذلك أن الإنسان لا يستغني عن هداية الله تعالى له ، كما قال الله تعالى في الحديث القدسيِّ ( يا عبادي كلُّكُم ضالُّ إلاَّ من هديتُه ، فاستهدوني أهدكم ) ، ومن ظنَّ أنه يستغني عن اتباع هدى الله تعالى بعقله ، فيرد أحكام الله تعالى اتباعا لهواه ، فهو كافر بالله تعالى ، كما قال سبحانه ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة 44 .







ثانيا:بيانِ كفرِ من رفض حكم الله تعالى واعتقد أنه غير ملزم باتباع كلِّ ما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم- :



أقسام الناس بالنسبة إلى موقفهم من الشريعة الاسلاميّــِة :

ينقسم الناس بالنسبة إلى موقفهم من أحكام الشريعة الإسلامية إلى أربعة أقسام :

القسم الأوّل: يقبلونها ويعتقدون أنها كلها حق ، كما قال تعالى ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلُّ مِن عِندِ رِبِّنا ) آل عمران 3، ويعملون بها قدر استطاعتهم ، وهم مع ذلك إن عَصَوا وخالفوا ما أمر الله تعالى به ، استغفروا وتابوا ، كما قال تعالى ( والذينَ إذا فَعلوا فاحشةً أو ظَلَموا أنفَسَهُم ذكرُوا اللهَ فاستغفروا لذنوِبهم ِومَن يغفرُ الذنوبَ إلاّ الله ولم يُصِرُّوا على ما فعلوا وهُم يَعلُمون ) آل عمران 135، فهؤلاء هم المسلمون المؤمنون المستقيمون على طاعة الله تعالى ، ومنهم المقتصد الذي يأتي بالواجبات وينتهي عن المحرمات ،ومنهم السابق بالخيرات الذي يزيد في الطاعات والحسنات من النوافل والمستحبات .

القسم الثاني : وهم الذين يقبلون جميع أحكام الله تعالى وما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويعتقدون أنها كلها حق من عند الله تعالى ، ولا يعترضون على شيء منها ، ولا يقولون نؤمن ببعض ونرفض بعضا بعقولنا وأهواءنا ، ولكنهم مع ذلك تغلبهم الشهوات فيقعون في الذنوب والمعاصي والآثام وهم يعلمون أنَّ ما فعلوه مخالف لأحكام الله تعالى ، ويقرون بأنهم عاصون مذنبون ، ولكنَّهم يسوِّفون التوبة ويؤخِّرونها بتزيين الشيطان وطول الأمــل .

فهؤلاء عصاة فساق قد ظلموا أنفسهم ، لكنَّهم مسلمون لأنَّهم يؤمنون بالدين كلِّه ، ولا يرفضون شيئا منه ، لا ظاهراً ولا باطناً ، غير أنهم ناقصوا الإيمان ، وحكمهم أنَّ أمرهم إلى الله تعالى إن ماتوا على المعاصي ولم يتوبوا منها قبل الموت ، فيحكم الله فيهم يوم القيامة ، إن شاء غفر لهم ،وان شاء عذبهم ، وإن عذبَّهم فمآلهم بعد العذاب إلى الجنَّة ماداموا موحِّدين من أهل الصلاة ، ما لم تهوي بهم كبائر الذنوب إلى حضيض الشرك والكفر قبل الموت ، لأن الكبائر ـ كما قال العلماء ـ هي دهليز الكفر ، وأهل الكبائر على خطر عظيم ، ومن ذلك أن يُران على قلوبهم مع كثرة الذنوب ، فيسهل عليهم الكفر بالله تعالى ، فيصيرون إليه قبل الموت ، خذلاناً من الله تعالى ، عياذا بالله من سوء الخاتمـــة.


القسم الثالث : وهم الذين يرفضون أحكام الله تعالى كلها ، ويعتقدون أن الأديان ليست سوى اجتهادات بشريِّة لمصلحين اجتماعيين أو مفكرين سياسيين ، ولا يوجد وحي من الله تعالى منزل على الرسل عليهم السلام ، وقد يعتقد بعض هؤلاء أن الله تعالى خلق الكون والإنسان ، ولكنَّه تركه ليهدي نفسه بنفسه ، لأنَّه ركَّب فيه العقل وتركه ينير للإنسان طريق الهداية ، وهؤلاء هم الكفـّـار الذين لا يؤمنون بمــــا أنزل الله تعالى ، والذين قال الله تعالى عنهم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت 26 .

القسم الرابع : وهم الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، ويجعلون الدين أجزاء بحسب أهواءهم ، ويقولون نؤمن بما يوافق أهواءنا منه ، ونرفض ما سواه ، أو نعرض ذلك على التصويت حسب عدد الأصوات ، فما قبله أكثر الناس بناء على قناعاتهم العقليِّة التزمناه وجعلناه قانوناً حاكماً على العباد لاحاكم سواه ، وعاقبنا من يخالفه ، وما رفضه التصويت والعقل تركناه وأهملناه ، ولا يهمُّنا أن الله تعالى أنزله وفرضه ، فالعقل والتصويت هما الحاكمان على الدين ، وهما الإله المعبود لديهم ، وهما الكتاب المنزَّل المتَّبع عندهم ، وهما المنهج الهادي ، بدل كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وقد صدق عليهم قول الحق سبحانه ( أَلَم تَرَ إِلى الذينَ بَدَّلوُا نعمةَ اللهِ كُفراً وَأَحَلُّوا قَومَهُم دارَ البَوار ، جَهَنَّمَ يَصلَونَها وبِئسَ القَرار ) سورة إبراهيم 29,28

ولا ريب أن التشريعات المناقضة لشريعة الله تعالى ، ليست سوى أنداد تضل عن شريعة الله التي هي سبيله وصراطه المستقيم الذي وضعه نورا وهدى للناس ، ويصدق عليها قوله تعالى(وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) سورة ابراهيم30.

حكم العلمانيين الذين يؤمنون ببعض الدين ويكفرون ببعــض :

من المعلوم أن الدين كلُّ ، لا يقبل أن يتجزأ من جهة القبول به والإذعان له ، وأن من رفض حكما من أحكام الله تعالى ، وكفر به واعتقد أنه لا يصلح لهذا الزمان ، وأن تطبيقه يجب أن يعرض على العقل ، أو على التصويت ، فان وافق ذلك أحكام الله تعالى كان بها ونعمت ، وان لم يوافق تركنا ما أنزل الله تعالى وراء ظهورنا ، واتبعنا عقولنا ونتيجة التصويت ، من زعم ذلك فهو كافر مشرك بالله تعالى .

كما قال تعالى في كتابه العزيز عن الذين آتاهم الكتاب من اليهود ثم لما جاءهم الحقُّ ، آمنوا ببعضِ الكتابِ ، وكفرُوا ببعضِهِ الآخر .

قال سبحانه (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة 85

ونسوق فيما يلي الآيات القرآنية الدالة على كفر من لم يعتقد وجوب التحاكم إلى شريعة الله تعالى في كل صغير وكبير ، ومن آمن ببعض أحكام الله تعالى دون بعض .

1ـ قال سبحانه ( ويقولون نُؤمنُ ببعضٍ ونكفُرُ ببعضٍ وَيُريدُونَ أن يَتَّخِذوُا بيَنَ ذلكَ سبيلاً ،أُولئكَ هُمُ الكافِرونَ حقاً وأَعتَدنا للكافرينَ عذاباً مهيناً) النساء 150، 151

2ـ وقال سبحانه ( يا أيُّها الذينَ أُوتُوا الكتابَ آمِنوُا بما نزَّلنا مصدِّقاً لما معكُم مِن قَبلِ أَن نَطمِسَ وُجوهاً فَنَرُدَّها على أدبارِها أَو نَلعَنَهُم كما لعنَّا أصحابَ السبتِ وكان أمرُ اللهِ مفعولاً ) النساء 47

3ـ وقال سبحانه ( ألم ترَ إلى الذينَ أُوتوُا نصيباً منَ الكتابِ يؤمنونَ بالجبتِ والطاغوتِ ويقولونَ للذينَ كفروُا هؤلاءِ أَهدى منَ الذينَ آمنوُا سبيلاً ، أولئِكَ الذينَ لعنهُم اللهُ ومن يَلعنِ اللهُ فلن تَجدَ لهُ نصيراً) النساء 51،52

وسنتوقف قليلاً عند تفسير هذه الآية :

يقول الله تعالى إنّ الذين أتاهم الكتاب من اليهود ، لما جاءهم محمّد صلّى اللهُ عليه وسلّم بالبيّنات والهُدى ، فضلوا الإيمان بالجبت والطاغوت ، والطاغوت اسم لكل ما يعبد من دون الله ، وكذلك هو اسم لكل ما يطاع أو يتبع من دون الله تعالى فيما يخالف حكمَ اللهِ تعالى ، فكلّ منهج يخالف منهج الله تعالى ، فهو طاغوت ، وهؤلاء اليهود فضَّلوا الإيمان بالجبت و الطاغوت على الإيمان بما أنزل الله تعالى ، كما فضل العلمانيُّون الإيمان بأهواءهم وعقولهم على الإيمان بما أنزل الله تعالى ، فجعلوا الدين أجزاء على وفق أهواءهم ، فكفروا ببعض وآمنوا ببعض ، فكفروا ـ على سبيل المثال ـ بالحدود الشرعية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتحريم الربا ، وفرض الحجاب على النساء ، وغيرها من أحكام الدين ، وزعموا أنهم مؤمنون ، لكنَّ الله تعالى كذَّبهم .

ثم أخبر سبحانه في هذه الآية أنهم يعتقدون أن منهج الذين كفروا أهدى من منهج المؤمنين ، كمـــا قال تعالى ( ويقولُونَ للّذينَ كفروُا هؤلاءِ أَهدى مِنَ الذينَ آمنوا سبيلاً ) ، وكذلك العلمانيُّون يعتقدونَ أنّ المنهج العلمانيُّ والليبراليُّ ، أهدى مما أنزل الله تعالى ، ولولا ذلك ما اتبعوه معرضين عن أحكام الله تعالى .

4ـ وقال سبحانه ( قل آمنّا باللهِ وما أُنزِلَ عَلَينا وما أُنزِلَ على إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط وما أُوتِيَ موُسى وعِيسى والنبيُّون مِن رَبِّهِم لا نفرِّقُ بيَن أَحَدٍ مِنهُمُ ونَحنُ لَهُ مُسلِموُن ، ومَن يَبتــغِ غيَر الإسلامِ ديناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وهُوَ في الآخرِةِ مِن الخاسِرِين ) آل عمران 85,84، فالإسلام هو الإيمان بكلِّ ما أنزَل اللهُ تعالى ، واتِّباع كلِّ أحكامِ الله تعالى .

5ـ وقال تعالى ( يا أيُّها الذينَ آمنوُا ادخلُوا في السِّلمِ كافَّةً ولا تتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَيطانِ إنَّه لَكُم عدُوُُ مُبِين ) البقرة 208 ومعنى السِّلم في هذه الآية هو الإسلام ، أي ادخُلُوا في جميع الإسلام ، وآمنوا بجميع أحكامه ، لا كالذين يؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض .

6ـ وقال تعالى ( وأَنِ احكُم بينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ ولا تتَّبِع أهواءَهم واحذَرهُم أن يَفتِنوُكَ عَن بعضِ ما أَنزَلَ اللهُ إِليكَ ، فإِن تَولَّوا فاعلَم أَنَّما يُريدُ اللهُ أَن يُصيبَهُم ببعضِ ذنوبِهِم وإنَّ كثيراً مِنَ النّاسِ لفاسقُون ، أَفَحُكمَ الجاهليِّةِ يَبغُونَ ومَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنوُن ) المائدة 49، 50

وحكم الجاهلية هو جعل الإيمان بما أنزل الله تعالى تبعا للأهواء ، لأنّهم يريدون الإيمان ببعض ما جاء به محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، والكفر ببعضه الآخر ، وقالوا له نؤمن بما جئت به سنة ، ونؤمن بما نحن عليه من أمر الجاهلية سنة ، ولهذا حذَّر الله نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يتنازل عـــن أي شيء مما أنزل الله تعالى ، قال تعالى ( واحذرهم أَن يَفتِنوُكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللهُ إليك).


7ـ وقال تعالى ( ومَن لم يَحكُم بما أَنزلَ اللهُ فأُولئِك هُمُ الكافرون ) المائدة 44، وقال تعالى ( ومَن لَم يَحكُم بما أَنزلَ اللهُ فأُولئِك هُمُ الظالِموُن) المائدة 45، وقال تعالى ( وَمــَن لَم يَحكُم بما أَنزَلَ اللهُ فأُولئِك هُمُ الفاسقُون ) المائدة 47.

ومقتضى هذه الآيات من تسمية الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى كافرا وظالما وفاسقا ، يصدُقُ على القليلِ والكثيِر مِنَ الحُكمِ بغيرِ ما أَنزَلَ الله تعالى ، كما يصدق على الجزء والكلّ ، فكلّ من أعرض عن شيء من أحكام الله تعالى ، معتقداً أنَّه لا يجب عليه التزام الحكم بها فهو كافر ، ظالم ، فاسق ، وقد أجمع المسلمون على هذا .


8ـ وقال سبحانه ( كَذلكَ نَقصُّ عَليكَ مِن أَنباءِ ما قَد سَبَق ، وَقَد آتينَاكَ مِن لدُنّا ذكراً مَن أَعرَضَ عَنهُ فإنِّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزراً ، خالدِينَ فيِهِ وساءَ لَهُم يَومَ القيامَةِ حِملاً ) طه 99ـ101 ، والذِّكرُ هُوَ ما أنزَلَ اللُه تعالى ، وهو القرآن العظيم ، وما يشتمل عليه من أحكام ، فمن أعرض عنه ، أو عن بعضه مفضلا مناهج كفرة الغرب أو الشرق ، فإنّه يأتي يوم القيامة حاملاً وزراً عظيماً ، وهو وزر الكفـــر الذي يخلد صاحبه في النار عياذا بالله .





9ـ وقال سبحانه ( وَمَن أعرضَ عن ذِكرِي فإِنَّ لَهُ معيشةً ضَنكا ، ونَحشُرُه يَومَ القِيامَةِ أَعمى ، قال رَبِّ لمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصِيرا ، قال كذلكَ أَتَتكَ آياتنا فَنسيتَها وكَذلكَ اليومَ تُنسى ،وَكَذلكَ نَجزي مَن أَسرَفَ ولَم يُؤمِن بآياتِ ربِّهِ ولعذابُ الآخرِةِ أَشدُّ وأَبقى ) طه 124ـ 127 ، والعلمانيُّون أعرضوُا عن اتباع الذكر وهو القرآن ، وأتتهم آيات الله فنسوها ،فكان لهم بذلك الشقاء في الدنيا ، ذلك أنهم لم يفلحوا في شيء من شئونهم ، وتخبطوا في كل أمورهم ، فأفسدوا على الناس معايشهم الدنيوية ، فانتشرت بسبب مبادئهم الضالّة ، وإعراضهم عن أحكام الله تعالى التي أنزلها رحمة ونوراً وهدى الناس ، انتشرت الجرائم والمخدرات والدعارة وألوان الفساد ، وخرَّبوا الاقتصاد باتّباعهم النظام الربويّ معرضين عن أحكام الله تعالى ، وأفسدوا المرأة وأهانوها وحوَّلوها إلى سلعةٍ تُباع وتُشترى ، وقذفوا بها في كل موضع تنتهك فيه كرامتها وهم يزعمون تحريرها ، وامتلأت بسببهم حياة الناس شقاءً وضنكاً وفساداً في البلاد الغنيّة ، وتمثل ذلك في اختلال الأمن وشيوع الفواحش والأمراض الجنسية والنفسية والجريمة المنظمّة وشعور الناس بالضياع والخوف ، كما امتلأت الحياة فقراً وجوعاً وظلماً في البلاد الفقيرة ، وضجّت الأرض والبلاد والعباد مما يفعلونه في العالم من الخراب .

ومما يدل أيضا على كفر من يرد شيئا مما أنزل الله تعالى كلَّه أو بعضه معرضاً عنه مفضلاً عليه سواه :

10ـ قول الحق تعالى ( أَلم تَرَ إِلى الذينَ يَزعُمُونَ أَنَّهم آمنوُا بما أُنزِلَ إليكَ وما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدُونَ أَن يَتحاكَمُوا إلى الطاغوُتِ ، وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُروُا بِهِ وَيُريدُ الشَيطانُ أَن يُضلَّهُم ضلالاً بَعيداً ، وإِذا قِيلَ لَهُم تَعالَوا إلى ما أَنزَلَ اللهُ وإلى الرسولِ رَأَيتَ المنافِقينَ يَصدُونَ عَنكَ صُدوداً ) النساء 60، 61

والطاغوت اسم عامُّ يشمل كل معبود أو مطاع أو متَّبع ينصبه الناس حكماً لهم من دون الله ، ويجعلون كلامه هو القول الفصل الذي يحكم بينهم ، بديلا عن شريعة الله ، وهو كل منهج يناقض منهج الله ، فكلُّ مَن يَتحاكَم إلى عقلِهِ ، أو إلى منهجٍ بشريِّ يخالف منهج الإسلام ، أو إلى شريعةٍ وضعيّةٍ ، معرضاً عن شريعة الله تعالى ، نابذاً وراء ظهره أحكام الله تعالى في قليلٍ أو كثيرٍ ، فهو مؤمن بالطاغوت كافر بالله تعالى .

وكل من يقال له : هَلمَّ إلى ما أنزلَ اللهُ تَعالى ، وإلى ما جاء به الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الهدى والحق والنور المبين ، فصدَّ عن ذلك راغباً عنه ، واتبَّع غيرَ ما أَنزلَ اللهُ تَعالى ، فَهُو من المنافقين الذين قال الله فيهم ( إنَّ المنافِقينَ في الدَركِ الأسفَلِ مِنَ النّار وَلَن تَجِدَ لَهُـــم نَصيـــراً ) النساء 145




والمنافقون هــــم الذين وصفهم الله تعالى بقوله ( مُذَبذَبينَ بَينَ ذلكَ لا إلى هؤُلاءِ ولا إلى هؤُلاء ) النساء 143 أي أنَّهم متحيرون ، فلا هم الذين يتبعون ما أنزل الله تعالى ، ولاهم الذين يثبتون على غيره أيضا ، فتارة يؤمنون بالشيوعيِّة ، وتارة بالاشتراكيِّة ، وتارة بالبعثيِّة ، وتارة بالقوميِّة ، وتارة بالليبراليِّة ، وتارة بالماركسيِّة ، وتارة بالقوانين الوضعيِّة ، وتارة ببعض أحكام الشريعة الإسلاميِّة وفق أهواءِهم ، فَهُم مُذَبذَبون دائمــاً ، كما قال تعالى ( بَل كَذَّبوُا بالحَقِّ لماَّ جاءَهُم فَهُم في أَمرٍ مرِيجٍ ) ق 5، أي أن كلَّ مُكَذِّبٍ بالحقِّ يُصبِحُ في حالٍ مُضطَرب غايةَ الاضطراب .

11ـ وقال سبحانه ( كان النّاسُ أمَّةً واحدةً فَبَعَثَ اللهُ النبيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأَنزَلَ مَعَهُم الكِتابَ بالحقِّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فِيما اختَلفُوا فِيه ) البقرة 213 فبيَّن أنَّه أنزَلَ الشريعةَ لِكَي تَكونَ حاكمة بين العباد في كل صغير وكبير من شئون حياتهم ، وفي كل ما يختلفون فيه.

12ـ وقال سبحانه ( فلا وَرَبَّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً ) النساء 65، فكل من وجد في نفسه حرجا من شيء مما أنزل الله تعالى ، فقد أقسم الله تعالى بنفسه العليَّة أنه لا يكون مؤمنا .


13ـ وقال سبحانه ( ثُمَّ جَعَلنَاكَ عَلى شَرِيعةٍ مِنَ الأَمرِ فاتَّبِعها ولا تَتبَّع أَهواءَ الذِينَ لا يَعلَمُونَ ، إنَّهُم لَن يُغنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئاً وإنَّ الظالِمينَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعض واللهُ وليُّ المُتَّقِين ، هذا بَصائِرُ للنّاسِ وَهُدى وَرَحمَةُُ لِقَومٍ يُوقِنُون ) الجاثية 18- 20 والعلمانيون هم الذين يتبعون أهواء الذين لا يعلمون من كفرة ملاحدة أوربّا الضالّين .


وقد أمر الله تعالى نبيّه الكريم في هذه الآية الكريمة أن يستقيم على الشريعة ، ونهاه أن يتبع أهواء الجاهلين ، وبين أنه أنزل هذا القرآن المشتمل على الشريعة التامة ، فهي البصائر والهدى والرحمة ، وغيرها الضلال والحيرة والجهل .


فهذه أربع عشرة آية في الكتاب العزيز ، ونظائرها أكثر من أن تحصر في هذا الموضع ، وكلها دالة دلالة قطعية على أن من علم حكم الله تعالى ، ثم رفض أن يلتزمه معتقدا أنه يسعه ذلك فهو كافر بالله تعالى ، ولا ينفعه زعمه أنه مؤمن بروح الشريعة أو جوهر الدين كما يقول العلمانيون والليبراليون .



هذا ولم يقرِّر القرآن أصلاً بعد توحيد الألوهية كما قرر هذا الأصل العظيم ، وهو وجوب الاحتكام إلى الشريعة الإلهية ، وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به ، مما يُؤذن بخطر التهاون في هذا الشأن العظيم ، كيف وقد قرر القرآن أن الإعراض عن الشريعة واتباع غيرها عبادة للطاغوت ، كما تقدم في آية سورة النساء ، ورحم الله العلامة ابن القيم إذ يقول ( فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ، فهذه طواغيت العالم إذا تدبرتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ) إعلام الموقعين (wrk/50)

ثالثا :بيان معنى الليبراليَّة وأنها ليست سوى وجه من وجوه شجرة العلمانيَّة الخبيثة:

الليبراليَّة هي وجه آخر من وجوه العلمانيِّة ،وهي تعني في الأصل الحريِّة ، غير أن معتنقوها يقصدون بها أن يكون الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء ، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه ، وعابد هواه ، غير محكوم بشريعة من الله تعالى ، ولا مأمور من خالقه باتباع منهج إلهيّ ينظم حياته كلها،كما قال تعالى ( قُل إنَّ صَلاتي ونُسُكِي وَمَحياىَ وَمَماتي للهِ رَبَّ العالَمِينَ ، لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المِسلِمين ) الأنعام 162، 163 ، وكما قال تعالى ( ثمَُّ جَعَلنَاكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمرِ فَاتَّبِعها وَلا تتَّبِع أَهواءَ الذِينَ لا يَعلَمُون ) الجاثية 18.
وكما قال تعالى ( وأن احكُم بَينهُم بِما أَنزَلَ الله ولا تَتَّبِع أَهواءَهُم ) المائدة 49 ، وغيرها من الآيات الكثيرة .
ولهذا فإن الليبراليَّة لا تُعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلا : هل الله موجود ؟ هل هناك حياة بعد الموت أم لا ؟ وهل هناك أنبياء أم لا ؟ وكيف نعبد الله كما يريد منّا أن نعبده ؟ وما هو الهدف من الحياة ؟ وهل النظام الإسلاميُّ حق أم لا ؟ وهل الربا حرام أم حلال ؟ وهل القمار حلال أم حرام ؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها ، وهل للمرأة أن تتبرج أم تتحجب ، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور ، وهل الزنى جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين ، وهل القرآن حق أم يشتمل على حق وباطل ، أم كله باطل ، أم كله من تأليف محمد- صلى الله عليه وسلم- ولا يصلح لهذا الزمان ، وهل سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحي من الله تعالى فيحب أتباعه فيما يأمر به ، أم مشكوك فيها ، وهل الرسول -صلى الله عليه وسلم- رسول من الله تعالى أم مصلح اجتماعي ، وما هي القيم التي تحكم المجتمع ؟ هل هي تعاليم الإسلام أم الحرية المطلقة من كل قيد ، أم حرية مقيدة بقيود من ثقافات غربية أو شرقية ، وما هو نظام العقوبات الذي يكفل الأمن في المجتمع ، هل الحدود الشرعية أم القوانين الجنائية الوضعية ، وهل الإجهاض مسموح أم ممنوع ، وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل ، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية ، وهل نسمح بالبرامج الجنسية في قنوات الإعلام أم نمنعه ، وهل نعلم الناس القرآن في المدارس على أنه منهج لحياتهم كلها ، أم هو كتاب روحي لا علاقة له بالحياة ؟؟؟؟

فالليبراليّة ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة ، ومبدؤها العام هو : دعوا الناس كلُّ إله لنفسه ومعبود لهواه ، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاؤون ، ولن يحاسبهم رب على شيء في الدنيا ، وليس بعد الموت شيء ، لا حساب ولا ثواب ولا عقاب.

وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام ، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي ، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة ، وهو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ، وذلك بجمع أصوات ممثلي الشعب ، فمتى وقعت الأصوات أكثر وجب الحكم بالنتيجة سواء وافقت حكم الله وخالفته .

ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله تعالى ، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى ، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط ، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا إلا إذا وقع بإكراه ، أو عدم تجريم شرب الخمر ، أو كان تحليلاً للربا ، أو كان السماح بتبرج النساء ، أو التعري والشذوذ الجنسي والإجهاض ، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي ، ....الخ.

وكل شيء في المذهب الليبراليِّ متغيِّر ، وقابل للجدل والأخذ والردِّ حتى أحكام القرآن المحكمة القطعيِّة ، وإذا تغيَّرت أصوات الأغلبيَّة تغيَّرت الأحكام والقيم ، وتبدلت الثوابت بأخرى جديدة ، وهكذا دواليك ، لا يوجد حق مطلق في الحياة ، وكل شيء متغير ، ولا يوجد حقيقة مطلقة سوى التغيُّر .
فإذن إله الليبراليِّة الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ ، حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره ، وحكم الأغلبيِّة من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة ، سواءُُ عندهم عارض الشريعة الإلهيّة ووافقها ، وليس لأحد أن يتقدَّم بين يدي هذا الحكم بشيء ، ولا يعقِّب عليه إلا بمثله فقط .

غير أن العجب كلَّ العجب أنَّه لو صار حكمُ الأغلبيِّة هو الدين ، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام ، واتباع منهج الله تعالى ، والسير على أحكامه العادلة الشاملة الهادية إلى كل خير ، فإن الليبراليّة هنا تنزعج انزعاجاً شديداً ، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حرباً شعواء ، وتندِّدُ بالشعب وتزدري اختياره إذا اختار الإسلام ، وتطالب بنقض هذا الاختيار وتسميه إرهاباً وتطرفاً وتخلفاً وظلاميّة ورجعيّة ...الخ

كما قال تعالى ( وإذا ذُكِر الله ُوَحدَهُ اشمَأَزَّت قلوبُ الذين لا يُؤمِنُونَ بِالآخرِةِ وَإِذا ذُكِرَ الذينَ مِنَ دونِهِ إذا هُم يَستَبشِروُن ) الزمر 45 .
فإذا ذُكر منهج الله تعالى ، وأراد الناس شريعته اشمأزت قلوب الليبراليين ، وإذا ذُكِر أيُّ منهجٍ آخر ، أو شريعة أخرى ، أو قانون آخر ، إذا هم يستبشرون به ، ويرحِّبون به أيَّما ترحيب ، ولا يتردَّدون في تأيِّيده .
فإذن الليبراليِّة ما هي إلاّ وجه آخر للعلمانيِّة التي بنيت أركانها على الإعراض عن شريعة الله تعالى ، والكفر بما أنزل الله تعالى ، والصد عن سبيله ، ومحاربة المصلحين ، وتشجيع المنكرات الأخلاقيِّة ، والضلالات الفكريِّة ، تحت ذريعة الحريِّة الزائفـــــة ، والتي هي في حقيقتها طاعة للشيطان وعبودية لـه.

هذا وقد يتبيّن لكل ذي بصيرة ، أنَّهم عندما يدعون الناس إلى مخالفة الشريعة الإلهيّة ، زاعمين أنهم يمنحونهم الحرية ، أنها خديعة وفخ يصيدون به المغفلين من ضعاف العقول ، وبغيتهم أن يخرجوا الناس من عبادة الله تعالى وحده باتباع صراطه المستقيم ، إلى عبادة مفكِّريهم ومنظِّريهم ، وإلى إتِّباع أهواءِهم والسيرِ على مناهجهم الضالَّة ، وعندما يقولون للشعب أنت حرُّ في أن تفعل ما تشاء ، فكأنهم يقولون له كن أسيراً وعبداً لشهواتك وهواك ، ولنزغ الشيطان ، ذلك أن دأب الشيطان أن يزين للإنسان فعل السوء والفحشاء ، ويوسوس له بالشر والضلال فيطيعه ويتبعه ، وهو يظنُّ أنه حرُّ في تصرفاته ، بينما هو متبع مستعبد للشيطان من حيث لا يشعر ، كما قال تعالى ( وزيَّنَ لَهُم الشَيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَن السَّبِيل ) العنكبوت 38وقال سبحانه أيضا ( وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إبلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوه إلاَّ فَريقاً مِنَ المؤمِنِين ) سبأ 20 ، قال سبحانه ( وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَن نُقَيِّض لَهُ شَيطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين ) الزخرف 36 ومعنى يعش عن ذكر الرحمن ، أي يَعمى عن اتباع ما أنزل الله تعالى .

فالليبراليِّة إذاً إنما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى واتباع شريعته ، إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان ، فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر .
وهي عندما تزعم أنَّه لا يوجد حقُّ مطلق إلا الحريَّة والتغيُّر ، فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة ، وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله تعالى لتكون نبراساً لهداية الناس إلى يوم القيامة ، وما الشريعة إلا الحق المبين الراسخ الذي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل مهما تغيَّر الزمان والمكان .
كما قال تعالى واصفاً نفسه العليَّة (أَفَمَن يَهدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَع أَمَّن لا يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهدى فَما لَكُم كَيفَ تَحكُمُون) يونس 35 وقال سبحانه (فَذلِكُم اللهُ رَبُّكُم الحَقَّ فَماذا بَعدَ الحقِّ إِلاَّ الضلال فأنى تصرفون ) يونس 32 وقال سبحانه ( والذينَ هُم بآياتِنا يُؤمِنُون ، الذينَ يَتَّبِعُون النَّبيَّ الأُمِيَّ الذي يَجِدُونَهُ مكتوباً عِندَهُم في التَوراةِ وَالإنجِيل يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهاهُم عَن المُنكَر ، وَيُحِلُّ لَهُم الطَيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِم الخبائِث ) الأعراف 156، 15.

وكما قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف158 .
وكما قال تعالى ( الذينَ إِن مَكَّناهُم في الأرضِ أَقامُوا الصلاةَ وَآتَوا الزَكاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَن المنُكَر وَللهِ عاقِبَةُ الأمور ) الحج 41 .




والليبراليّة عندما تسوي بين دين الله الحق وغيره من الأهواء الباطلة ، وعندما تسوّي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه ، والكافرين به ، بزعم أن الجميع سواء في مبدأ الحريّة ، فهي بذلك تشرّع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل ( أَفَمَن كانَ مُؤمِنــاً كَمَن كان فاسِقاً لا يَستَــوُون ) السجدة 18 والقائل ( أَفَنَجعَل المُسلِمِين كَالمجُرِمِينَ ، مالَكُم كَيفَ تَحكُمُون ) القلم 35، 36 .

والمذهب الليبراليّ بهذا المنهج الضال ، يبطل دين الله كله ، ويطوي أحكامه التشريعيَّة برمَّتها ، ويضع بدلها أحكاما أخرى من عنده ، أحكاما لا تقيم وزنا لما أنزله الله تعالى من البيَّنات والهدى والكتاب المنير .

والخلاصة أن المنهج الليبراليّ ليس سوى الضلال بعينه ، وهو الكفر والشرك برسمه واسمه ، وما هو إلاّ صدُّ عن سبيلِ اللهِ تعالى ، ونَقض لأحكامِ اللهِ تعالى ، ودعوة للناس إلى الخروج عن شريعة الله تعالى ، وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية في حياة الناس .

هذه هي الليبراليّة ، وحكمها في الإسلام هو نفس حكم العلمانيّة سواء بسواء ، لأنها فرع من فروع تلك الشجرة ، ووجه آخر من وجوهها .

وبهذا يعلم أنه يجب شرعا ، بل هو من أهم واجبات الدين ، أن يُبَيَّن للمسلمين خطر هذه الأحزاب العلمانية والليبرالية ، ويُوَضَّح لهم ما تشتمل عليه من أفكار تهدم العقيدة والشريعة والأخلاق ، ويجب أن يُدعى أصحابُها إلى الإسلام ، ويُكشف لهم حكم الإسلام في حقيقة مذهبهم الذي يعتقدونه ، وأنه مناقض للإسلام تمام المناقضة ، وأن في تركهم له نجاتهم من الهلاك .

ويجب أن يُدعَون إلى أن يُقِرُّوا بوجوب الاحتكام إلى الشريعة الإلهيَّة في كلِّ صغير وكبير من شئون الحياة ، ولا يجوز إقرارهم على أي مبدأ لا ينطلق من هذا الأصل الذي هو أصل الدين الأصيل ، وركنه الجليل ، كما قال تعالى ( ثُمَّ جَعَلناكَ على شَريعَةٍ مِنَ الأَمرِ فاتَّبِعها وَلا تتَّبِع أَهواءَ الذينَ لا يَعلَمُون ) الجاثية 18 وقال ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) المائدة 49 ، وقال ( فاستَقِم كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إنَّهُ بِما تَعمَلُونَ بَصِير ، وَلا تَركَنُوا إِلى الذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُم النّارُ وَمالَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن أَولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَروُن ) هود 112، 113 .








قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :

( ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء بأنهم إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك ، ولم يستجيبوا للداعي ، ورضوا بحكم غيره ، ثم توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالى ) : فإن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وإنَّ كَثيراً مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُون ) اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق ، أي بفعل ما يرضى الفريقين ويوفق بينهما ، كما يفعله من يروم التوفيق بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ما خالفه ، ويزعم أنه بذلك محسن قاصد الإصلاح والتوفيق ، والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كل ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي ، فمحض ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eltwhed.yoo7.com
 
عنوان الكتاب: البيان لخطر الأحزاب العلمانية والليبرالية على الدين والأخلاق وشريعة القرآن.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البيان لخطر العلمانية على الدين الأخلاق وشريعة القرآن
» عنوان الكتاب: العلمانيون والإسلام
» الكتاب: مجالات إنتشار العلمانية وأثرها في المجتمع الإسلامي
» عنوان الكتاب: العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام
» الكتاب: الإسلاميون وتركيا العلمانية نموذج الإمام سليمان حلمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التوحيد :: شبهات وردود علمية :: العولمة والعلمانية-
انتقل الى: