التشريع الوضعي في ضوء العقيدة الإسلامية
رسالة مقدمة لنيل درجة التخصص الأولى في العقيدة "الماجستير" جامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين قسم العقيدة
إعداد: محمد بن حجر حسن القرني
إشراف: أ.د. علي بن نفيع العلياني
1423هـ
----------
لقد
دخل الاستعمار إلى البلاد الإسلامية فاحتل أرضها وسلب ثرواتها وقتل وشرد
أهلها لكنه لم يستطع غزو عقلها ولا قلبها، فظل عقلها يفكر وقلبها ينبض، ومن
ثم سعى أذنابه بكل ما أوتوا من قوة إلى التشويش على هذا العقل بدس السموم
في أفكاره ومعتقداته وتاريخه، وسعوا إلى إسكات قلب هذه الأمة عن النبض بنشر
الفحش والبغاء والرزيلة.
وكان
إقصاء الشريعة وحكمها عن المجتمع المسلم حلقة من حلقات هذه المؤامرة،
فأوهموا الشعوب بعجز الشرائع عن تلبية حاجات العصر، وأنه لا مفر من استحداث
قوانين وشرائع لمواكبة ركب الحضارة والتقدم، وتبعهم في هذا الزعم ثلة من
صغار العقول ومرضى القلوب فنصبوا أنفسهم آلهته للخلق فشرعوا القوانين
ووضعوا الدساتير وحللوا وحرموا.
يقول
الباحث في مقدمة رسالته: لايزال المخطط الشمولي الذي يتبناه النصارى
واليهود في مواجهتهم العالمية لنهوض العملاق الإسلامي وانتشار العودة إلى
الإسلام في أرجاء المعمورة، لإرساء أنظمة حكم علمانية تحت مسمى
الديمقراطية، والسعي إلى أن تكون جميع البلدان في العالم وخاصة الأقطار
الإسلامية محكومة بالدساتير البشرية، فيكون المنهج البشري هو الحاكم باسم
الديمقراطية، ويبقى المنهج الرباني منحسرا باسم الديمقراطية، وتكون
الديمقراطية فوق الجميع ويحتكم إليها الجميع وتحكم على الجميع.
ولقد
ساعد على بقاء التشريعات الوضعية في البلدان الإسلامية الاشتغال بعلاج غير
الداء الحقيقي والتغافل عن السبب الرئيسي لهذا الانحراف الكبير، فلقد أعطت
المحاولات المبذولة لما يسمى بتطوير الفقه ليلائم العصر الحاضر وأن يصاغ
صياغة مشابهة للقوانين الوضعية- انطباعا بأن سبب تأخر المجتمعات الإسلامية،
وضعفها وعدم تقيدها بالشريعة الإلهية إنما يرجع إلى عدم وجود فقه متطور،
وعدم سهولة الرجوع إلى الأحكام نظرا لتفرقها في بطون الكتب.
هذا
فضلا عن قيام ما يسمى بالمشروعات الفكرية التي تسعى لتمكين التشريع الوضعي
وتوسيع دائرته، حيث اتخذت الفكر الغربي نموذجا لها في التنظير لتلك
المشروعات ومحاولة ليّ أحكام الإسلام لتتوافق مع ما يطرحه الفكر الغربي.
ومن
هنا كانت هذه الرسالة في موضوع (التشريع الوضعي في ضوء العقيدة الإسلامية)
في محاولة لتأصيل الموضوع عقديا وإيضاح حقيقة أمر التشريع العظيمة.
و قد قسم لباحث بحثه إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة .
جاءت المقدمة لتبين أهمية الموضوع وهدف البحث ومنهجه وتقسيماته.
أما
التمهيد فبين فيه الباحث أن المجتمع البشري بحاجة ضرورية إلى الرسل
والرسالات، ولذا ارتبط وجوده بالرسل والرسالات من أول وجود له على ظهر
الأرض، فلا غنى له عن الرسالة السماوية التي تمده باليقين في الغيبيات
والهداية في التشريعات.
الباب الأول:التشريع وصلته بالعقيدة.
بين فيه الباحث المراد بالتشريع، وصلته بالتوحيد، وملائمة التشريع الإلهي للنفس الإنسانية، وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: في المراد بالتشريع في لغة العرب، واستعمال الوحي.
حدد
فيه الباحث المراد بالتشريع، والمعنى الذي يختص الله به ليكون الضابط في
التفريق بينه وبين الاجتهاد والتنظيم ونحو ذلك، ثم أعقب هذا الفصل بفصلين
جعلهما كالدليل على استقلال الرب بالتشريع وهما:
الفصل الثاني: صلة التشريع بالتوحيد:
بين فيه أن الإقرار لله بالتوحيد يقتضي الإقرار باختصاصه بالتشريع.
الفصل الثالث: حقيقة النفس الإنسانية ومقاصد التشريع الإلهي.
وفيه الاستدلال بطبيعة النفس الإنسانية على عجزها عن الاستقلال بالتشريع عن هداية ربها.
الباب الثاني: التشريع الوضعي تاريخه وما انتهى إليه.
ودار
حول التشريع الوضعي، فعرض الباحث لمفهوم التشريع الوضعي والمراد منه،
وتاريخه،ومراحله التي مر بها، وواقعه الذي انتهى إليه، وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: تاريخ التشريع الوضعي.
بين
فيه الباحث أن الانحراف في التشريع قديم قدم الانحراف في شعائر العبادة،
وأن سبب الانحرافين واحد وهو إنكار الإله الحق، إما إنكار ذاته، أو إنكار
أفعاله وصفاته، ثم ذكر المراحل التي مر بها التشريع الوضعي.
الفصل الثاني: فلسفة التشريع الوضعي المعاصر.
بين
فيه الباحث أن التشريع الوضعي تحديد للسلوك البشري بأحكام ونظم قائمة على
أساس مذهب عقدي ومنهج فكري، لتأتي تلك الأحكام والنظم معبرة عن تصوراته
وتتعامل مع القضايا البشرية على أساس منطلقاته، حيث وضح الباحث أن التشريع
الوضعي قام على فلسفات تمثل الأساس العقدي الذي ينطلق منه واضعه.
الفصل الثالث: أسس التشريع الوضعي المعاصر.
الباب الثالث: حكم التشريع الوضعي.
بين
فيه الباحث حكم التشريع الوضعي وحكم متابعته وطاعته، من جهة حقيقة الإيمان
عند أهل السنة والجماعة، ومن جهة مقتضى قواعد أهل السنة والجماعة، وفيه
ثلاثة فصول.
الفصل الأول: حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة وصلة التشريع به.
حاول
الباحث في هذا الفصل أن يبين أن التشريع الوضعي، لا ينفك عن كونه منبثقا
من عقيدة تفسر موقفا من الخالق والكون والحياة وإنْ قطع صلته بالدين الذي
يسميه( الدين التقليدي)، وإنْ ادَّعى أنَّ المراد به مجرد ضبط نظام الحياة،
وتأتي أحكامه مبنية على تلك العقيدة.
الفصل الثاني: مقتضى قواعد أهل السنة والجماعة في التشريع الوضعي.
بدأ
الباحث هذا الفصل بتمهيد فرق فيه بين التشريع العام ومطلق الحكم، وفرق فيه
أيضا بين اتخاذ مرجعية يرجع إليها غير الشرع، وبين مجرد المخالفة لحكم
الشرع مع عدم ظهور الاستقلال عنه، ومع كونه هو المرجعية التي يُرجع إليها.
ثم أتبعه بالكلام على المسائل الأربع التي اشتمل عليها هذا الفصل وهي:
المسألة
الأولى: في قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المادة:44]والمناط الذي نزلت الآية في
الأصل لبيان حكمه.
المسألة الثانية: في توجيه الأقوال الواردة في تفسير المراد بالكفر في الآية.
المسألة الثالثة: وجه القول بكون التشريع الوضعي كفرا بمجرده.
المسألة الرابعة: في ذكر شبهتين والجواب عنهما.
الفصل الثالث: حكم متابعة التشريع الوضعي وطاعته.
لقد اشتمل هذا الفصل على مسالتين مهمتين:
الأولى: في تقرير الضابط في التفريق بين اعتبار الطاعة في مخالفة أمر الله مجرد معصية، وبين اعتبارهما شركا بالله عز وجل.
الثانية: في تقرير مناط الكفر في متابعة التشريع الوضعي وطاعته، والرضا به المبني على العلم بمخالفة شرع الله.
ثم جاءت الخاتمة بأهم النتائج التي خرج بها البحث، ومنها:
1-أن حقيقة التشريع هي الاستقلال بالإرادة في وضع الأحكام والمنهج الذي تُسيَّر به شئون الحياة.
2-أن
الإقرار بالتوحيد يتضمن اختصاص الله بالتشريع وانفراده به وأنه حقه الذي
لا يجوز أن ينازع فيه، كما لا يجوز أن ينازع في أمر العبادة.
3-أن
التشريع جزء من العقيدة ونتيجة لها، فلا يمكن أن ينفك عن عقيدة ينطلق منها
ويبني أحكامه عليها، فإما أن يكون منبثقا من عقيدة الإسلام، أو منبثقا من
عقيدة مناقضة لعقيدة الإسلام.
4-أن التشريع الوضعي بهذه الحقيقة كفر مناقض لعقيدة الإسلام.
5-أن
متابعة التشريع الوضعي وطاعته ذنب عظيم، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إن
كانت تلك المتابعة والطاعة فيما دون الشرك الصريح، وأن مناط الكفر في ذلك
هو الطاعة والمتابعة مع فساد إيمان القلب.
( للتحميل ) انقر على هذا الملف: