نحو رؤية شرعية .. لحرية الإنسان
17/10/1432 - د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
jpg.
الحرية وصف فطر الإنسان عليه ، وقد جعله الله تعالى حقاً مكتسباً لجميع البشر الأسود منهم والأبيض ، الذكر منهم والأنثى ، قال تعالى ( وهديناه النجدين ) ؛ أي بينا له وعرفناه طريق الخير وطريق الشر، وتركنا له الحرية التامة في الاختيار ، قال القرطبي : ( وهو كما تقول : قد نصحت لك ، إن شئت فأقبل ، وإن شئت فأترك ) .
وهي حالةٌ جبلية في الإنسان ، جعلها الله زينة يتجمل بها الإنسان ، فتكون محلاً لظهور فضائل الأعمال في الإنسان ، كالصدق والحلم والسخار ، وهي داعيةٌ إلى ظهور التنافس والتسابق في إبراز مكنونات العقول بالإيداع والنبوع ، وهي داعية إلى عموم مكارم الأخلاق وطيب الشيم ، والبعد عن كل معيب ، وقد قال مخيس بن أرطاة التميمي :
فقلت له تجنب كل شيء يعاب عليك إن الحر حُرُّ
أي إن الحر باق على ما عهد في الأحرار من علو الهمة وزكاة الأخلاق واجتناب مواطن الريب ، وترك كل ما يعاب به المرء ، وعن كل ما يحوجه إلى الاعتذار منه .
ثم إن الحرية في الإسلام تشمل الحرية في القول والتعبير والحرية في التفكير والاعتقاد .
ولعل حرية النظر والتفكير هي اللبنة الأولى لإصلاح التفكير ، فقد جعل الله من هذه الحرية حقاً مشتركاً للبشر جميعاً ، كحقهم في الطعام والشراب واللباس ، لا فرق في ذلك بين مسلم وغيره .
فالحرية نعمة وحلية كساها الله الإنسان ، وزينةٌ جمله بها ، فما أبأس من أعرض عن نعم الله ومننه ، وكفر بنعمة الحرية التي أكنها الله فيه .
ولم يجعل الله هذه النعمة خاصة مقصورة على صغائر الأمور ، بل جعلها عامة لجميع اختيارات الإنسان ، شاملة لحريته في القول وفي الاعتقاد .
فأعلنت حقوق الإنسان في ذلك آيات كثيرة في كتاب الله تعالى : (( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) ، وهي صريحة في الدلالة على النهي عن إكراه أحد على الدخول في دين الإسلام ، فدخوله يجب أن يكون على بينة وبصيرة ، وبإرادة واختيار ، لا أن يكون عن محاكاة أو تقليد ، ولا أن يكون بحال تشويه شائبه إكراه وقسر .
وأما حرية القول فأجلى مظاهره أن للإنسان أن يبدي اجتهاده ، ويقول رأيه من غير خوف ولا وجل ، ولقد كانت هذه الحرية مكفولة حتى مع النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ، حيث كان يستشير أصحابه ، وكانوا يشاركونه الرأي فيما يرون .
بل إن الدين كله قائم على حرية القول بالنصح والإرشاد ففي الحديث : (( الدين النصيحة )) ، وهذا النصح يعني الدلالة على الخير والصواب مع ترك الاختيار للمنصوح ، ولا يعني القسر ولا الإكراه .
ونقيض النصح الاستهزاء والسخرية ؛ لأن قوامهما تضييق الحريات ، بإشاعة المناكر والمفاسد والبغي والاعتداء على حدود الآخرين ، كما في الحديث (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، إلى أن تلقونه ) .
فالاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال من تضييق الخناق على الحريات .
من أجل ذلك فإنا نجد أن المسلمين لما فتحوا البلاد ما كان منهم إلا القيام بقانون العدل والإحسان مع غير المسلمين كما قال تعالى : (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )) .
فلم يقع من المسلمين اعتداء على أحد من أهل الذمة ، لا في دمه ولا في ماله ولا في عرضه فاستيطان المسلمين لتلك الديار لم يبح لهم أن ينقضوا على أموال غيرهم بالسلب ، ولا على أعراضهم بالسلب ، فلم يمنع المسلمون أعراف اليهود ولا عوائدهم الاجتماعية ، ولا اعتقاداتهم الدينية ، ولم يخفروا لهم ذمة أبداً ، وقد قال الحافظ أبوبكر بن العربي – رحمه الله تعالى - : ( والذمي كالمسلم في ماله ودمه وعرضه ) ، وذلك لأنه محترم بحرمة الإسلام لدخوله تحت حكم المسلمين .
فكان غير المسلمين يعاملون معاملة الرعايا من المسلمين ، فيما عدا الأمور الدينية ، فكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذاً وعطاءً وبيعاً وشراء ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي ، وقد كان الإسلام يومها عزيزاً ، وكان اليهود في حالة من الذلة والصغار ، وكان عليه الصلاة والسلام في غنى عن ذلك ، وكأنه صلوات ربي وسلامه عليه يضع أمامنا برهاناً للدلالة على مظهر التسامح الذي فرضه الله على المسلمين وجعله شريعة محكمة ، فالعدل والتسامح وصفان جليلان حرص الإسلام على استدامتهما مادام الليل والنهار .
ولعل أعظم مظهر يتجلى فيه معنى التسامح في هذا الدين ، وجود اليهود والنصارى في البلاد التي يحكمها المسلمون إلى اليوم ، وقد مضى على ذلك أربعة عشر قرناً من الزمان ، ولعلنا نرى وجودهم جماعات موزعة في الكثير من القرى والمدن دليلاً آخر على أنهم في أمان وحفظ فتجدهم في كثير من قرى الشام والعراق ومصر ، فلم يضطروا إلى اللجوء إلى طرف منعزل من بلادنا ، فضلاً عن أن يلجؤوا إلى بلاد مجاورة .
بلغ التسامح معهم أن قال عليه الصلاة والسلام : لا تخيروني على موسى ، وقال : لا تفضّلوني على يونس بن متى ، وقال لا تفضلوا بين الأنبياء ، وكل هذا رغم أنه ورد مورد التسامح مع الآخر ، غير أن فيه مظهراً لتواضعه صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر العلماء أن الانتقاص لشعائر غير المسلمين إنما يجوز لغرض شرعي صحيح ، لا أن يكون لغير معنى ، فإنه من فضول الكلام ومن إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه .
أما ذكر آلهتهم للاستدلال على عدم صلوحيتها للألوهية ، فهو وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وأتباعهم ، كما قال سبحانه : (( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون )) .
وقد أمرنا ببيان فساد عقائدهم من باب النصح والإرشاد ، شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى نقيض مقصودنا ، بحيث يحملهم ذلك على الغضب والانتقاص من شعائرنا والنيل من ديننا ، كما قال سبحانه : (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم )) ، فهاهنا طاعة أدت إلى معصية راجحة عليها ، فوجب تركها درءاً للمفسدة المتوقعة .
وهكذا كفل الإسلام لهم حرية الاعتقاد ، وحرية القول ، وحرية سائر التصرفات ما لم يكن فيها فساد أو إضرار بالغير ، فالأصل أنهم أحرار ، والاستثناء هو تقييد الحرية إذا أفضت إلى ضرر أو تقييد حرية الآخرين ، قال تعالى : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )) .
والأصل في الحرية أن تكون مطلقة غير مقيدة ، تامة غير منقوصة ، وهذا المعنى هو ما أشار إليه علماء الأصول بقولهم : ( الأصل في الأشياء الإباحة ) ، وقد عد سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – التعدي عليها نوعاً من الاستعباد فقال عمر لعمرو : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
غير أن الإنسان قد يتنازل عما يريد ، ويتخلى عن حريته رعياً لمصلحة غيره ، وابتعاداً عن فعل ما يسوء غيره ، وذلك لأن حرية الإنسان تدعوه إلى احترام حرية غيره ، وذلك الاحترام له أسباب فقد يكون من باب الإنصاف لغيره حين يترك اختياره لاختيار غيره ، وذلك إذا تواردت إرادته مع إرادة غيره على شيء واحد ، ولم يمكن الجمع بينهما .
وقد يكون إيثاراً من الوالد لولده أو لعزيز من قريب وغيره .
وقد يكون من باب الخوف من الغير إذا تزاحما على مقصود واحد ، ولم يمكن إطلاق حرية أحدهما إلا بتقييد حرية الآخر ، فينكف الضعيف خوفاً من سطوة القوي ، وربما كان انكفاف أحدهما طمعاً فيما عند الآخر .
ثم إن هذا التزاحم بين الناس يثير في النفس دواعي الحقد والتحاسد بين الناس ، وربما دفع إلى التنابز والمعاداة .
وليس الاستهزاء والسخرية سوى تعبير عن اعتقاد المستهزئ أنه عاجز عن إدراك مقام المستهزأ به ؛ فيمتلئ حقداً عليه ، ثم يتمنى زوال هذه المرتبة العالية عن صاحبها ، وهذا هو الحسد في أجلى صوره .
ولقد ذكر العلماء أن قول أحدهم : يا ابن الحداد ، أو يا ابن النجار ، وأشباه ذلك يعد من التعبير الذثي يؤدب قائله وإن كان صادقاً ، ويكون تأديبه على قدر حال المقول له .
وهذه المسألة من المصالح العامة التي لا تتقيد وجوهها بحال واحد ، بل هي مختلفة باختلاف النازلة وباختلاف أعراف الناس، فالضابط لذلك كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : كل ما يتصور أنه يكره إطلاق اسمه عليها ، لو بلغه ذلك ، وقال الإمام أبو عبد الله القابسي – رحمه الله - : ( يحمل قوله على أقل ما يكون عند الناس يعتبر به من التعبير المباح ) .
وإذا كان الأصل في النفس البشرية هو الاستقامة ، حين جعلها الله تعالى على السلامة من الأذى والفساد ، كما جاء في التنزيل (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) فمن كلام الصالحين ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم روحاً وعقلاً ، ثم رددناه أسفل سافلين نفساً وهوى ) ، فإن ما تقدم عليه النفوس من الأعمال المذمومة ، والأخلاق المشينة لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون مما يختص بالإنسان بحيث لا يطلع عليه أحد وهذا النوع لا يتحرج الإنسان منه ، ما لم يكن عنده زاجر نفساني يمنعه من الوقوع فيه ، كما قال أبو نواس :
لن ترجع الأنفس عن غيها مالم يكن منها لها زاجر
وأعظم هذه الزواجر الوازع الديني إذا غرس في النفوس وهذبها غاية التهذيب .
الآخر : أن يكون مما لا يختص بالإنسان في ذاته ، بل يكون مما يمكن أن يطلع عليه الناس ، والناس في هذا الحال قسمان :
القسم الأول : أصحاب الهيئات والمروءات ، وهؤلاء يستحبون من اطلاع الناس عليهم ، فيجدون في ذلك زاجراً يمنعهم من الوقوع في الأعمال المشينة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ؛ إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .
قال الزمخشري : فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعه السوء هو الحياء ، فإذا رفضه وخلع رقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة اهـ .
غير أن من هؤلاء من يرى الأشياء على حقيقتها ظاهرةً جلية في فتحها وسوئها ، فيتركونها ترفعاً عنها وحفظاً لمروءتهم ، فمن حفظ المروءة أن يتجنب المرء كل شيء يعاب عليه، وقد قيل للأحنف بن قيس : بم بلغت ما بلغت ؟ فقال : لو عاب الناس الماء ما شربته .
ومنهم من يراها وقد تدثرت برداء ستر عوارها وأخفى عيوبها ، فلا يرى ما فيها من سوء وقبح ، وهذا شأن كثير من العرب حين يستحسنون سلب أموال الناس وإتلاف الأنفس من موجبات الشجاعة والبطولة كما قال لبيد بن ربيعة :
ومقسم يعطي العشيرة حقها ومغذمر لحقوقها ، هضامُها
فافتخر بوصف ( المغذمر ) وهو الذي يأخذ حقوق الناس ويسلبهم أموالهم ، فيعطي هذا ما يأخذه من هذا .
وربما رأوا في السكر ما يحرك في النفس دواعي السماحة ومكارم الأخلاق ، فتدفعهم إلى أن يجودوا بالنجائب من الإبل والخيل كما قال عنترة :
فإذا انتشيتُ فإنني مستهلك مالي ، وعرضي : وافر لم يكلم
القسم الآخر : أصحاب الموبقات المجاهرون ، وهم الذين لسوء آدابهم لا يتنزهون عن فعل كل عمل مشين ، ولا يأبهون لأحد ، ويظنون أنهم بهذه المجاهرة يحصلون الظهور والشهرة.
وهذا القسم ليس له من نفسه زاجر ، بل يجب أن يزجر بالعقوبة والتخويف .
وهذا حال أولئك الذين نشروا الصور المشينة في الدنمارك .
التوصيات :
واستناداً إلى ما لدينا مما لا يملكه غيرنا من قيم وآداب منضبطة ، وواضحة المعالم ، فإني أرى أن يطلب من الحكومات الإسلامية القيام بثلاث مهام :
الأولى : الدعوة إلى تحكيم القوانين والمواثيق الدولية على الجميع بالعدل والإنصاف ، والمطالبة بذلك في المحافل الدولية .
فمن هذه المواثيق ما جاء في المادة ( 2- 1 ) من ميثاق الأمم المتحدة أن من الأهداف الرئيسة لإنشاء الأمم المتحدة تشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من غير تعبير ضد العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين ) .
وجاء في إعلان مبادئ القانون الدولي الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الرقم 2625 ( 1970 ) نص على أنه ( ينبغي على الدول أن تتعاون في ما بينها لتعزيز الاحترام الدولي ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ولإزالة التعصب الديني ) .
وكذلك قرار إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإزاحة كل أشكال عنصرية الأديان والمعتقدات رقم 26/55 (1981 ) ، والذي يقضي في المادة 3 منه على أن ( إهانة واحتقار الأديان يعتبر خرقاً لميثاق الأمم المتحدة ؛ إذ هو يعتبر ( عائقاً لتحقيق العلاقات الأخوية السلمية بين الدول الأعضاء .
وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة 18 منه على وجوب احترام ومراعاة الأديان ، والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي نص في المادة 18 ( 3 ) على وجوب أن تكون ( حرية التعبير حول الأديان مقيدة بضوابط الأخلاق العامة ، وألا تتعدى على حقوق الآخرين ) .
ولاشك أن هذه المواثيق تدين تصريح رئيس وزراء إيطاليا بيرلسكوني الذي قال فيه ( إن الإسلام هو دين السفهاء ) ، وتدين تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش بشن ( حرب صليبية ) ، وتدين تصريحات القساوسة الغربيين .
والأمريكيين أمثال بيلي غراهام ، وبات روبرتسون ، وجيمي سواغرت وغيرهم ؛ فقد اتهم بعضهم رسولنا عليه الصلاة والسلام بأنه إرهابي وقاطع طريق ورجل شهواني !
وأين هذه التصريحات من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرقم 36/55 ( 1981 ) ، والذي يقضي في المادة 3 على أن ( إهانة واحتقار الأديان يعتبر خوفاً لميثاق الأمم المتحدة ؛ لأن ذلك يعد ( عائقاً لتحقيق العلاقات الأخوية السلمية بين الدول الأعضاء )).
الثانية : بيان فضل نبينا عليه الصلاة والسلام ، والتعريف به وبسيرته صلى الله عليه وسلم في المحافل الدولية ، عبر كتب تعريفية يذكر فيها خلقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أولاده ، ومع زوجاته ، ومع عموم أصحابه ، ومع الناس أجمعين ، وذكر شيء من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، كحديث سيدنا معاذ رضي الله عنه ؛ آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضعت رجلي في الغرزا ، قال : حسن خلقك للناس ، وحديث الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال : ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) .
وحديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينا رجل بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً فنزل فيها ، فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ) ، قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر ) .
وما فيهما كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت هزلاً ) .
وما بلغ من لطفه وتواضعه أن قال عليه الصلاة والسلام ، لا تخيروني على موسى ، وقال : لا تفضلوني على يونس بن متى ، وقال : لا تفضلوا بين الأنبياء وكل هذا رغم أنه ورد مورد التسامح غير أن فيه مظهراً تتواضعه صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : التعريف بدين الإسلام عبر طباعة الكتب التعريفية ، وعبر شراء ساعات في القنوات الفضائية الغربية لأجل ذلك .
فنحن مبتلون بمن يشوه صورة الإسلام في الغرب ؛ إذ تقدم الكتب المدرسية الإيطالية صورة مشوهة عن الإسلام ، فتضع تصوراً مغلوطاً حول معنى الجهاد ، ومعنى الخلافة ، وحول تعدد الزوجات ، وغير ذلك .
ومن العبارات التي وجدت في بعض الكتب المدرسية الإيطالية ( من واجبات المسلم أن يقوم بنشر دين الإسلم حتى ولو بالقوة وبأمر بقتال الأديان الأخرى لنشر كلام الله ) .
ولنا أسوة حسنة في خير النجاشي حين أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب – عليه السلام – قال : أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله – عز وجل – لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .
قالت : فعدد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به ، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك .
وإذا علمنا أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، فأسأل الله العظيم أن يجعل من سلوك هؤلاء المعتدين ما يعود بالخير الكبير على البشرية جمعاء ، فيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار .
مجلة الإسلام اليوم
العدد ( 83 )