من الشبهات العصرية[1] التي استدل بها المخالفون لعقيدة أهل السنة في مسألة العمل ومنزلته من الإيمان الشبهة الأولى : أنهم اعتقدوا أن تارك الفريضة حكمه حكم مرتكب الكبيرة سواء بسواء فمن هنا دخلت عليهم الشبهة . والجواب عنها : أن نقول : تارك الفريضة من غير عذر كفر أما مرتكب الكبيرة إن مات ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه فليسا سواء قال عبد الله بن أحمد : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَأَلْنَا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الْإِرْجَاءِ، فَقَالَ: " يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر . السنة لعبد الله بن أحمد : 1/347
لشبهة الثانية : أحاديث لا إله إلا الله المطلقة[2] من دون الشروط فقد احتجوا بها وقالوا : "هذه أحاديث لاإله إلا الله المطلقة بدون قيود نصت على أن صاحبها يدخل الجنة "
قال الخلال : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ , قُلْتُ : إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , فَهُوَ مُؤْمِنٌ ؟ قَالَ : كَذَا كَانَ بَدْءُ الإِيمَانِ , ثُمَّ نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ : الصَّلاَةُ , وَالزَّكَاةُ , وَصَوْمُ رَمَضَانَ , وَحَجُّ الْبَيْتِ[3]. السنة : 3/564، قال محققه : إسناده صحيح
وقال –أيضا- : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , أَنَّ إِسْحَاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : أَيْشِ كَانَ بَدْءُ الإِيمَانِ , أَلَيْسَ كَانَ نَاقِصًا فَجَعَلَ يَزِيدُ. السنة : 3/565، قال محققه : إسناده صحيح
وقال الآجري في الشريعة : فإن احتج محتج بالأحاديث التي رويت: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» قيل له: هذه كانت قبل نزول الفرائض، على ما تقدم ذكرنا له، وهذا قول علماء المسلمين، ممن نفعهم الله تعالى بالعلم، وكانوا أئمة يقتدى بهم، سوى المرجئة الذين خرجوا عن جملة ما عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وقول الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم في كل بلد وسنذكر من ذلك ما حضرنا ذكره إن شاء الله تعالى، والله سبحانه وتعالى الموفق لكل رشاد، والمعين عليه، ولا قوة إلا بالله .
الشبهة الثالثة : حديث الجارية [4]
قال الخلال : كَتَبَ إِلَيَّ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَهُمْ , أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : فِي الْحَدِيثِ أَعْتِقْهَا ؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ , قَالَ مَالِكٌ : لاَ يَقُولُ : إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الْفَرَائِضُ.
وقال –أيضا- : وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ , أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى : (أَعْتِقْهَا ؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) , قَالَ : لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقُولُ فِيهِ : إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ , يَقُولُونَ : أَعْتِقْهَا . قَالَ : وَمَالِكٌ سَمِعَهُ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ , لاَ يَقُولُ : فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ , قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ , فَهِيَ حِينَ تُقِرُّ بِذَلِكَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤْمِنَةِ . هَذَا مَعْنَاهُ.
الموضوع: منقـول
[1] هي في أغلبها شبهات المرجئة الأوائل وزاد عليها المخالفون لأهل السنة في هذه المسألة في عصرنا .
[2] أي لم تقيد بالقيود الثقال كما قال العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد .
[3] بوب له الخلال بقوله : ذكر بدء الإيمان كيف كان ، والرد على المرجئة لأنه نزلت الفرائض بعد قول لاإله إلا الله .
[4] بوب له الخلال بقوله : وَمِنْ حُجَّةِ الْمُرْجِئَةِ بِالْجَارِيَةِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَعْتِقْهَا ؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) , وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَهَا عَنْ بَعْضِ شَرَائِعِ الإِيمَانِ.