ذكر الإجماع الصريح على كفر عباد القبور
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فهذه بعض أقوال العلماء[1] التي تفيد الإجماع الصريح على كفر عباد القبور وأنها ليست مسألة خلافية كما يروج لها اليوم .
قال العلامة عبد اللطيف آل الشيخ –رحمه الله -[2] : " وهذا كتاب الله وسنَّة رسوله، وكلام أصحاب رسول الله عيَن ومن بعدهم من أهل المعلم والفتوى معروف مشهور مقرر في محله في حكم من عدل بالله وأشرك به، وتقسيمهم للشرك إلى أكبر وأصغر؛ والحكم على المشرك الشرك الأكبر بالكفر مشهور عند الأمة لا يكابر فيه إلا جاهل لا يدري ما الناس فيه من أمر دينهم، وما جاءت به الرسل. وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف غير واحد من أهل العلم، وحكى الإجماع عليها، وأنها من ضروريات الإسلام، كما ذكره تقي الدين ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وابن عقيل، وصاحب " الفتاوى البزازية "، وصنع الله الحلبي، والمقريزي الشافعي، ومحمد بن حسين النعمي الزبيدي، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني، ومحمد بن علي الشوكاني، وغيرهم من أهل العلم " . مصباح الظلام : 1/52
وقال –أيضا- : "... بل الأدلة والنصوص متواترة متظاهرة على أن طلب الحوائج من الموتى، والتوجه إليهم شرك محرم، وأن فاعله من أسفه السفهاء وأضل الخلق، وأنه ممن عدل بربه وجعل له أندادا وشركاء في العبادة التي لا تصلح لسواه، ولا تنبغي لغيره، وأنه أصل شرك العالم، وقد حكى الإجماع على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كلامه، وكذلك ابن قيّم الجوزية قرَّر تحريمه، وأنه من الشرك الأكبر، وأنه أصل شرك العالم في كتابه "إغاثة اللهفان " وغيره، وابن عقيل كفَّر بطلب الحوائج من الموتى، ودسّ الرقاع فيها: (يا مولاي، افعل بي كذا وكذا) . ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم" مصباح الظلام : 3/393
وقال –أيضا- : " فالشيخ رحمه الله واحد من الجملة وفرد من آحاد العلماء، ولم يخرج عن سبيل أهل العلم في مسألة من المسائل، والمسألة التي فيها النزاع- وهي دعاء الأموات والغائبين للشفاعة أو غيرها من المطالب مسألة إجماعية لا نزاع فيها بين علماء الأمة، وقد حكى شيخ الإسلام الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم، بل حكى في رده على النصارى: أنَّ النبوَّات اتَّفقت على تكفير من دعا الأموات والغائبين، وقرَّر أن هذا من العبادات التي لا تصرف لغير الله ولا يستحقها أحد سواه" . مصباح الظلام : 3/447
وقال –أيضا- : " والجواب أن يقال: هذه الطامة أكبر من أختها، فإنها تقتضي أن عبَّاد القبور والأوثان الذين كفَّرهم شيخنا رحمه الله مسلمون مؤمنون، مغفور لهم خطؤهم ونسيانهم، هذا معتقد المعترض، ولذلك ساق كلام أبي العباس محتجَّا به على ضلالته.وهذا في الحقيقة تسجيل منه على أن كل من كَفَّر عُبَّاد القبور والصالحين بعبادتهم غير الله، وإشراكهم في خالص حقه، فقد كَفَّر مسلمًا على خطأ مغفور له والمكفرون بمثل هذه الأشياء كافة أهل العلم من أهل الْإِسلام؛ بل وجميع الرسل يكفرون بهذا، وقد حكى الْإِجماع غير واحد على كُفْرِ هذا الصنف.
قال شيخ الْإِسلام أبو العباس، فيما نقله عنه أكابر أصحابه وأعيان أهل مذهبه (من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكَّل عليهم كفر إجماعًا) .
قال شارحه: لأنه فعل عابدي الأصنام، قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].وذكره ابن حجر الشافعي في "الإعلام بقواطع الإسلام" راضيًا به مقررًا له.وأبواب الردَّة يستفتحها الفقهاء بذكر الشرك في الربوبية والإلهية.إذا عرفت هذا: عرفت أن هذا المعترض خرج عن إجماع المسلمين بحكمه بإسلام هؤلاء المشركين، وأنه خطَّأ أهل الْإِسلام كافة، بل لازمه أنه خطَّأ من كفَّرهم من سائر رسل الله الكرام..." مصباح الظلام : 3/527-528
وقال : " وأما الديوان الأكبر، وهو ظلم الشرك، فلا خلاف بين أهل السنَّة والخوارج في التكفير بالشرك الأكبر، بعد قيام الحجة الرسالية، والمعترض جاهل، لا يفرق بين مسائل الإجماع ومسائل النزاع" مصباح الظلام : 3/ 591
اكتفي بهذه النقول والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .
[1] هذه الأقوال نقلتها من بحثي الآخر الذي ذكرت فيها نصوصا كثيرة على وقوع الإجماع في تلك المسألة .
[2] هذه أقوال العلامة عبد اللطيف في الإجماع على كفر عباد القبور فهل سيقبل المخالفون تلك الأقوال كما قبلوا قوله في مسألة الخلاف في الجوارح ؟!! إنا لمنتظرون ، وأقول : يسر الله إكمال بحثي الآخر في الجواب عن تلك الشبهة المشهورة اليوم فقد ذكرت فيه أقوال الشيخ العلامة عبد اللطيف في ذكر الإجماع الصريح على أن العمل جزء من مسمى الإيمان في غير موضع من كتبه وهذه بعض أقواله رحمه الله : قال الشيخ عبد اللطيف "...والمقصود منه: أنه جعل الغاية توحيد الله بالعبادة والاستجابة لذلك والتزامه هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، وأما مجرد القول والتلفظ فليس هو عين المراد. وأما العلماء فقد وافقوا على ذلك، وقرروه، وذكروا الإجماع عليه، وأن الإيمان لا بد فيه من اعتقاد الجنان، وإقرار اللسان، وعمل الأركان، وجهلوا من اقتصر في تعريف مسماه على أحد هذه الثلاثة". مصباح الظلام : 1/202
وقال-أيضا- : وليس في كلام شيخنا - رحمه الله- تعرض لهذا- أعني التكفير بالذنوب- حتى يرد عليه بكلام شيخ الإسلام؛ بل كلامه في التوحيد الذي هو شهادة أن لا إِله إلا الله، وهذا لا ينازع مسلم في أنه لا بد أن يكون بالقلب، فإنه لم يصدق ويعلم ويؤثر ما دلَّت عليه "لا إله إلا الله ويعمل بقلبه العمل الخاص كالمحبة، والإنابة، والرضا، والتوكل، والخشية، والرغبة، والرهبة، فإن لم يحصل منه هذا بالكلية فهو منافق، ولا بد من الإقرار، فإنه إذا لم يقر بلسانه، كافر تجري عليه أحكام الكفار بلا نزاع، وكذلك العمل بالجوارح لا بد منه، فلا يكون مسلما إلا إذا ترك عبادة الطاغوت، وتباعد عنه، وعمل للَّه بمقتضى شهادة الإخلاص من تسليم الوجه له، واجتناب الشرك قولاً وعملا وترك الخضوع والسجود) والذبح والنذر لغير الله، وإخلاص الدين في ذلك كله لله، هذا ما دلَّ عليه كلام شيخنا رحمه الله في كشف الشبهة وهذا مجمع عليه بين أهل العلم، فإذا اختل أحد هذه الثلاثة اختل الإسلام وبطل، كما دلَّ عليه حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، فبدأ في تعريف الإسلام بالشهادتين، ولا شك أن العلم والقول والعمل مشترط في صحة الإتيان بهما " . مصباح الظلام : 3/591