الحث على طلب العلم في الصغر
قال الخطيب البغدادي : ... وجاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : تفقهوا قبل أن تسودوا .
قال أبو عبيد في حديث عمر t تفقهوا قبل أن تسودوا يقول : تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : في كتابي عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي وذكر من يحمل العلم جزافا فقال : هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري . قال الربيع : يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين .
و قال أبو الدرداء : « ويل للذي لا يعلم ، وويل للذي يعلم ولا يعمل ، سبع مرات »
وقال يحيى بن معاذ الرازي : « مسكين من كان علمه حجيجه ، ولسانه خصيمه ، وفهمه القاطع بعذره » و قيل لبعضهم : ألا تطلب العلم ؟ فقال : خصومي من العلم كثير فلا أزداد
وقال سري بن المغلس السقطي : « كلما ازددت علما كانت الحجة عليك أوكد »
وقال ابن المبارك : « كان رجل ذا مال لم يسمع بعالم إلا أتاه حتى يقتبس منه ، فسمع أن في موضع كذا وكذا عالما ، فركب السفينة وفيها امرأة ، فقالت : ما أمرك يا هذا ؟ قال : إني مشغوف بحب العلم ، فسمعت أن في موضع كذا عالما آتيه ، قالت : يا هذا ، كلما زيد في علمك تزيد في عملك أو تزيد في علمك ، والعمل موقوف ؟ فانتبه الرجل ورجع ، وأخذ في العمل »
وقال عطاء : « كان فتى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة ، فيسألها وتحدثه ، فجاءها ذات يوم يسألها فقالت : يا بني هل عملت بعد بما سمعت مني ؟ فقال : لا والله يا أمه ، فقالت : يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك »
وعن حذيفة t ، قال : سمعت رسول الله r يقول : « من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس ، فله من علمه النار»
وعن أبي هريرة t ، قال : قال رسول الله r : « من تعلم علما يبتغى » يعني : به وجه الله « لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة » « يعني ريحها »
وعن سليمان بن يسار ، قال : تفرق الناس عن أبي هريرة t ، فقال له ناتل أخو أهل الشام : يا أبا هريرة حدثنا حديثا ، سمعته من رسول الله r فقال : سمعت رسول الله r يقول : أول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل أتى به الله ، فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ، فقال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدت ، قال : كذبت ، إنما أردت أن يقال : فلان جريء ، فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم والقرآن فأتى به الله فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك ، فقال : كذبت ، إنما أردت أن يقال : فلان عالم ، وفلان قارئ ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل أتاه الله من أنواع المال ، فأتى به الله فعرفه نعمه فعرفها ، فقال ما عملت فيها ؟ فقال : ما تركت ذكر كلمة معناها من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك ، قال : كذبت إنما أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)
وقال الفضيل : « إنما نزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملا ، قال : قيل كيف العمل به ؟ قال : أي ليحلوا حلاله ويحرموا حرامه ، ويأتمروا بأوامره ، وينتهوا عن نواهيه ، ويقفوا عند عجائبه »
كراهية طلب الحديث للمفاخرة وعقد المجالس واتخاذ الأتباع والأصحاب بروايته
وعن عائذ الله ، قال : « الذي يتبع الأحاديث ليحدث بها لا يجد ريح الجنة »
وقال الفضيل : « لو طلبت مني الدنانير كان أيسر إلي من أن تطلب مني الأحاديث ، فقلت له : لو حدثتني بأحاديث فوائد ليس عندي كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير ، فقال : إنك مفتون أما والله لو عملت بما قد سمعت لكان لك في ذلك شغلا عما لم تسمع » ثم قال : سمعت سليمان بن مهران يقول : « إذا كان بين يديك طعام تأكله ، فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك كلما أخذت اللقمة ترمي بها خلف ظهرك ، متى تشبع »
اغتنام الشبيبة والصحة والفراغ والمبادرة إلى الأعمال قبل حدوث ما يقطع عنها
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله r : « الفراغ والصحة نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس »
وعن رسول الله r أنه قال لرجل وهو يعظه : « اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك »
وعن محمد بن واسع الأزدي ، قال : كتب أبو الدرداء ، إلى سلمان : « من أبي الدرداء إلى سلمان : يا أخي اغتنم صحتك وفراغك من قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده عنك »
ذم التسويف
عن أبي الجوزاء في قوله تعالى « ( وكان أمره فرطا ) . قال : تسويفا »
وعن الحسن ، قال : « إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غد لك فكس في غد كما كست في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم »
الحث على حفظ الأحاديث والعناية بها
عن أحمد بن العباس النسائي ، قال : « سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يكون معه مائة ألف حديث ، يقال : إنه صاحب حديث ؟ قال : لا ، قلت له : عنده مائتا ألف حديث ، يقال : إنه صاحب حديث ؟ قال : لا ، قلت : له : ثلاثمائة ألف حديث ؟ فقال بيده كذا ، يروح يمنة ويسرة ، وأومأ غسان-أحد رواة الحديث- بيده كذا وكذا ، يقلبها »
وقال أبو زرعة الرازي : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة ، يقول : « من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء ، لم يعد صاحب حديث
قال الخطيب البغدادي : والواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبا ، وأشد الخلق تواضعا ، وأعظمهم نزاهة وتدينا ، وأقلهم طيشا وغضبا ، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله r وآدابه ، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ، وطرائق المحدثين ، ومآثر الماضين ، فيأخذوا بأجملها وأحسنها ، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها
وعن علي بن أبي طالب ، أنه قال : « يا حملة العلم ، اعملوا به ، فإنما العالم من عمل بما علم ، ووافق عمله علمه ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، تخالف سريرتهم علانيتهم ، ويخالف عملهم علمهم ، يجلسون حلقا ، فيباهي بعضهم بعضا ، حتى أن أحدهم ليغضب على جليسه حين يجلس إلى غيره ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عز وجل »
قال إبراهيم الحربي : « ينبغي للرجل إذا سمع شيئا من آداب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به »
وقال الثوري : « إن استطعت ، ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل »
وعن الحسن ، قال : « كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده »
وقال ابن عيينة : « كان الشاب إذا وقع في الحديث احتسبه أهله » قال أبو بكر: يعني أنه كان يجتهد في العبادة اجتهادا يقتطعه عن أهله فيحتسبونه عند ذلك
وعن إبراهيم بن إسماعيل قال : « كان أصحابنا يستعينون على طلب الحديث بالصوم »
وقال أبو عصمة عاصم بن عصام البيهقي : بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه ، فلما أصبح نظر إلى الماء فإذا هو كما كان ، فقال : « سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد من الليل »
وعن قاسم بن إسماعيل بن علي ، قال : كنا بباب بشر بن الحارث فخرج إلينا فقلنا : يا أبا نصر ، حدثنا ، فقال : « أتؤدون زكاة الحديث ؟ قال : قلت له : يا أبا نصر ، وللحديث زكاة ؟ قال : نعم ، إذا سمعتم الحديث فما كان في ذلك من عمل أو صلاة أو تسبيح استعملتموه »
وقال عمرو بن قيس الملائي : « إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله »
وقال الإمام أحمد : « ما كتبت حديثا عن النبي r إلا وقد عملت به ، حتى مر بي الحديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا) فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت »
وقال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الزاهد : « من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة ، لأن الله يقول ( وإن تطيعوه تهتدوا ) »
وعن علي بن خشرم قال : سألت وكيعا قلت : يا أبا سفيان تعلم شيئا للحفظ ؟
قال : أراك وافدا ثم قال : ترك المعاصي عون على الحفظ .
وقال أحمد بن الفتح : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : « إن أردت أن تلقن ، العلم فلا تعص »
وأنشد أبو طالب يحيى بن علي الدسكري لبعضهم : شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأومأ لي إلى ترك المعاصي وقال بأن حفظ الشيء فضل وفضل الله لا يدركه عاصي
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله : « إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها »
وقال وكيع : كان إسماعيل بن إبراهيم بن مجمع بن جارية يقول : « كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به » وقال الحسن بن صالح : « كنا نستعين على طلبه بالصوم »
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد