رانيا الزعبي-إسطنبول
الحجاب في تركيا ليس مجرد قطعة قماش تغطي بها النساء رؤوسهن، بل هو موقف وقضية سياسية، وتحد صريح لإرادة فئة ممسكة بصناعة القرار في الدولة ترفض الحجاب لأنه يتناقض وفقا لها مع علمانية تركيا.
واللافت للنظر في تركيا أن الحجاب منتشر بكثرة رغم محاربة الدولة الرسمية له، وتضييقها سبل الحياة على المحجبات خاصة في التعليم والعمل، ووفقا للدراسات غير الرسمية فإن 70% من النساء التركيات محجبات.
قناعة وتضحية
والتركية المتحجبة ليست امرأة ضعيفة مغلوبة على أمرها، فرض عليها الحجاب بالقوة، كما قد يكون عليه الحال في بعض المجتمعات العربية، بل إنها اختارت الحجاب عن قناعة، وتدرك حجم الثمن الذي ستدفعه مقابل تمسكها بغطاء رأسها.
فاطمة كدانكش في الـ23 من عمرها، صدت أبواب الجامعات في وجهها بسبب حجابها، ومع ذلك فهي غير نادمة على الحجاب، وتقول "إذا كان البعض لديه النفوذ الآن لإغلاق أبواب الجامعات في وجهي، فإنه بالتأكيد لا يقوى على سد أبواب الحياة والنجاح أمامي"، لذلك انطلقت فاطمة لدراسة اللغة العربية في مركز ثقافي خاص، ثم أصبحت مدرسة في ذات المركز الذي درست فيه.
فاطمة قر كانت طالبة جامعية تدرس فن الأزياء والموضة عندما منع الحجاب في الجامعات فاضطرت لترك الدراسة، وحظي قرارها بمباركة أسرتها، وهي الآن ربة منزل.
تقول فاطمة التي كانت تستقل سفينة متوجهة إلى الشق الأوروبي من إسطنبول مع سبع من صديقاتها المتحجبات "أنا لست نادمة على حجابي، بل سعيدة لأنني دفعت ثمنا يعتبره البعض غاليا في سبيل إطاعة أمر إلهي، والتزاما بواجبي الديني".
آلاف التركيات المحجبات اضطررن لإكمال تعليمهن الجامعي في الخارج، خاصة في أذربيجان حيث تنتشر اللغة التركية، كما أن بنات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان اضطررن للدراسة في جامعات بالولايات المتحدة، والحجاب لم يجلب المتاعب فقط لبنات أردوغان بل له شخصيا أيضا، من قبل العسكر بالدولة بسبب حجاب زوجته.
في مواجهة الجميع
عائشة أوزكي دفعت ثمن الحجاب غاليا، فليست الدولة هي وحدها التي وقفت في وجه حجابها بل وقف ضده أصدقاؤها العلمانيون وأسرتها أيضا.
تقول عائشة إنها كانت في الجامعة عندما بدأت تقرأ عن الدين الإسلامي بعمق، وأدركت أن الحجاب فرض على كل مسلمة، فقررت وضع الحجاب على رأسها، قرارها أثار غضب أسرتها العلمانية المتشددة، وهي ابنة لوالدين يعملان في مجال بيع الخمور.
أما أصدقاؤها في الجامعة فنفروا منها واعتبروها رجعية ومتخلفة، فقررت ترك الجامعة وأثار قرارها حفيظة أهلها مجددا، ولجأت أمها لحبسها في البيت لإجبارها على العودة للجامعة ونزع الحجاب، لكنها رفضت بشدة، وذات يوم هربت من البيت وتوجهت لأحد بيوت تحفيظ القرآن السرية بإسطنبول، وبعد أسبوع اتصلت بأسرتها، وعرضت عليهم إما أن يقبلوها بوضعها الحالي، ويحترموا قناعتها إذا كانوا يرغبون في عودتها للمنزل، وإما أن ينسوا أمرها نهائيا.
وبعد سبع سنوات عادت عائشة لمواجهة أسرتها مجددا عندما قررت الزواج من شاب عربي مسلم، وهي اليوم أم لطفلين تتقن العربية وتحفظ القرآن عن ظهر قلب.
أساليب للتجاوز
أمام أبواب الجامعات أو الدوائر الرسمية هناك مظهر يتكرر مئات المرات يوميا، سيدات في الصباح يخلعن حجابهن، وعند الخروج من الجامعة أو العمل يعدن وضعه على رؤوسهن.
هذا واحد من أساليب التجاوز التي تلجأ إليها الكثير من التركيات، للحفاظ على الحجاب مع الدراسة أو العمل. نساء أخريات يضعن قبعة أو شعرا مستعارا على رؤوسهن بدلا من الحجاب وبذلك لا يثرن غضب الدولة.
والمرأة المتحجبة تلقى تعاطفا كبيرا من قبل المجتمع، والجمعيات الحقوقية حتى من قبل غير المحجبات، بسبب التضييق الذي يمارس ضدها.
والجدير بالإشارة أن الحجاب منع في كافة المؤسسات الرسمية التركية منذ الانقلاب الأبيض على حكومة حزب الرفاه في 28 فبراير/شباط 1997.