إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا.
أيها الناس يا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، والمسارعة في مراضيه، والفرار من حدوده وما يُغضبه فإنه لا طاقة لنا طرفة عين بعقابه ولا بغضبه، جلا ربنا وتعالى فلنحسن معه الأدب ولنقم بالعبودية التي خلقنا الله لها.
واعلموا أن أحسن الكلام كلام الله تعالى، وأحسن الهدي هدي رسول الله  واعلموا أن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وأن كل بدعة ضلالة.
يا أهل التوحيد يا أهل الإسلام، يا عباد الله إن ربنا تعالى حكيم، تجلت حكمته في كل شيء في أمره ونهيه، وفي شرعه وقدره، وفي نعمه ومصائبه له الحكمة الباهرة، وله الحجة البالغة، وليس لأحدٍ عليه حجه، وإن من حكمته جلا وتعالى أن خلقنا من طينة واحدة ومن ماءٍ مهين، ثم ذرأنا في هذه الأرض وهدانا النجدين ويسر لنا أسباب الهدى، ثم أمرنا أن نتزكى.
وأعظم التزكية، ما جاءت به الرسل هو الذي يُزكي النفوس قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2]، في ضلالٍ مبين في تصوراتهم وعلومهم وأخلاقهم.
يا عباد الله إن العبادات خيرٌ موضوع فمن أحسنها وضرب بسهمٍ في كل منها كملت أخلاقه وزكت نفسه وعلت همته وسمت روحه، إن كل عبادة تُكمل جزئاً في أخلاقك وفي شخصيتك مع العبادات الأخرى، وبهذا سبق الصحابة الناس ضربوا في العبادات بسهمٍ نافذ فتكاملت أخلاقهم.
عباد الله الحج ماذا ربى في أهله ماذا زكى في أخلاقهم الحج عودهم على ترك الأوطان، على ترك الأولاد، على بذل الأموال، عن الخشونة في العيش، على النصب في طاعة الله، على الاستمتاع في التعب إذا كان يُرضي الله تعالى، رجعوا من الحج وقد ربتهم هذه العبادة وكملت أخلاقهم.
الزكاة ماذا تفعل بأصحابها والإنفاق في سبيل الله كم تحل من عقد كم تُذهب من شح، كم تشرح من صدر، كم تُزكي من خلق.
قال الله: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}[المعارج:19]، {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}[المعارج:20]، {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}[المعارج:21]، {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22]، {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج:23]، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:24]، {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25]، إذا كان يستشعر أن في ماله حق ٌمعلوم ليس به منه للسائل والمحروم انخلع من قلبه حب الدنيا والركون إليها والشح، والتكالب وانحلت عنه عقداً كثيرة وانشرح صدره.
قال الله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}[الليل:5]، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}[الليل:6]، قال بعض السلف: صدق بأن الله يخلف على المنفق ويُتلف على الممسك صدق بالخلف من الله وبالبركة من الله، وصدق بالحسنى، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7]، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل:8]، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}[الليل:9]، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:10].
عباد الله الصلاة ماذا تفعل بأهلها وليس أي صلاة ولكن كما سمعتم إلا المصلين، الذين هم على صلاتهم دائمون إنهم الخاشعون المطمئنون كما يُقال الماء الدائم الساكن الراكد الذي لا يكثر الحركة، الذين هم على صلاتهم دائمون خاشعون، ماذا تفعل بهم هذه الصلاة؟ تربيهم على العبودية، على الذل لله، على المواظبة على طاعته طوال اليوم و الليلة يربيهم الركوع والسجود على تعظيم الحق، وأنه إذا جاء الحق للقلب فهو أعظم من الرجال.
من لم يركع قلبه ويسجد للحق إذا جاء من عند الله لم ينتفع بصلاته إن ركوعك وسجودك حتى يربيك على الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وترك المنازعة لله، في شرعه وفي قدره، ما لا تفعل الصلاة والدائمة الخاشعة المطمئنة بأهلها وبأربابها ماذا تُزكي فيهم ماذا تُكمل فيهم.
عباد الله الصيام ماذا يفعل بأهله؟ يُزكيهم على عدم إتباع النفس هواها على فطمها على شهواتها ومراداتها وفي هذا الفلاح كله، يُربيهم على مراقبة الله في السر والعلن، يُربيهم على المسارعة فيما يُرضي الله وإن كان فيهم ترك الشهوات وترك الملذات.
اللهم لك الحمد على هذا الشرع، الذبح ذبح الأضاحي، وذبح الهدي إذا باشره العبد بنفسه وهي سنة تركها كثيرٌ من الناس ماذا تُربي في أهلها، إن هذا الذبح ومباشرته بنفسك يُكمل فيك أشياء كثيرة من الجرأة والقوة والصبر والتوكل وحسن الظن بالله ونحر المال حتى تنحره من قلبك فإن المال المتجسم أمامك من الإبل و الغنم إذا نحرتها بيدك فقد نحرت الدنيا بيدك.
ولذلك يجرئون على بذل الأموال ولا يجرئون على نحر بهيمة الأنعام.
فيا عباد الله لا تفرح في وجود من توكله بمباشرة الذبح بنفسك ولكن افرح بأن تُباشر هذه العبادة فإنها عبادة عظيمة شرعها الله لك حتى تُزكيك.
قال الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1]، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2]، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:3]، فمن أراد الكوثر وهو الخير الكثير، ومن أراد أن يكون شانئه هو الأبتر أن يُحافظ على الصلاة وعلى النحر لله، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162]، {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:163].
عباد الله الهجرة ماذا تربي في أهلها، إذا انخلع من الوطن ومن أرضه وسماءه وعشيرته وملاعب صباه للرب العالمين كم تزكية وتزكية حصلت في هذا القلب، لا تكفيها ألاف المجلدات هذه التزكية تختصر كثيراً من عمره من المبادرة إلى أمر الله هذا الذي باع وطنه لله، تزكى تزكية عظيمة وهكذا كان أصحاب محمد .
الجهاد في سبيل الله بالمال وبالأهل ماذا يفعل بأهله إذا أحسنوه وأخلصوا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجالس وفي أماكن العمل والصبر على ذلك والمجاهرة به، يُربيك على ماذا؟ يُربيك على القوة في أمر الله وعلى استصغار الدنيا في جنب حق الله، وعدم تعظيم البشر وهيبتهم أمام أمر الله تعالى.
إن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يُربيك تربية عظيمة يُغنيك عنها كثيرٌ من الكلام.
القرآن يا عباد الله مداومة تلاوته والعمل بما فيه، ماذا يفعل بأهله؟ سئلت عائشة عن خلق النبي  فقال: كان خلقه القرآن يقرأه ويعمل به، وكان عليه الصلاة والسلام أكمل بني آدم أخلاقًا وأعلاهم وأشرفهم نفساً.
فمن أراد برنامج التزكية فهذا القرآن أمامه يقرأ ويعمل وينظر كيف يتغير، العلم يا عباد الله الموروث عن الأنبياء ماذا يفعل بأهله؟ قال سفيان إني لأعجب ممن لم يأخذ العلم عن أهله، كيف يتزكى، كيف يعرف الحسن من القبيح؟ كيف يتعلم هذا الأمر، إن العلم من أعظم أسباب التزكية والعلو وكمال الأخلاق.
 العلم الموروث عن الأنبياء العلم الذي يورث الخشية والتواضع والعمل وبذل النفع للناس، وأما العلم الذي يورث الكبر والتعالي هذا ليس بعلم، هذا مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ومثله كمثل الحمار يحمل أسفارا، كما ضرب الله لذلك مثلا.
عباد الله من أراد أن يكون أكثر الناس خلقا، وأزكاهم نفسا، وأشرفهم روحا، فليحمد الله على هذا الدين، وليُكثر الفرح بهذا الشرع، وليضرب في كل عبادة بسهمٍ وافر، فإن كل عبادة لا تُغني عن أختها كل عبادة تبني فيك لبنة حتى يتكامل البناء، كل عبادة تُغطي فيك نقصا، كل عبادة تحل منك عقدة.
 كل عبادة ترفعك درجة، لا تتهاون بأي عبادة، الإكثار من ذكر الله يُربيك على ماذا؟ على المراقبة الذاتية، على خوف الله واستشعار قربه ومحبته.
من داوم على التهليل والتكبير والتسبيح وقراءة القرآن الدعاء عبادة بل هو العبادة ماذا يُربي فيك الدعاء.
فيا عباد الله ربكم الحكيم خلقكم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسمر إلا بتقوى الله  وإلا بالمسارعة في هذا الخير الموضوع أمامكم وإحسانه، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير.
فلا تحقروا من المعرف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق والابتسامة صدقة والمعروف صدقة تفكروا في أصحاب محمد، إنهم لم يتزكوا بشيءٍ واحد تزكوا بأشياء كثيرة، نقول هذا يوم نجد كثيراً من المنتسبين للعلم والدعوة لو نزعت منهم هذه المعلومات لأصبحوا من أرذل الناس أخلاقا، ومن أقبحهم نفوسا، بخلٌ وشح ٌوتعالي وطمع، لم يكن هكذا أصحاب محمد.
أصحاب محمد عاميهم وعالمهم من أشرف الناس لأنهم لم يتزكوا من بابٍ واحد تزكوا من كل الأبواب، تزكوا بالهجرة تزكوا بالجهاد بالأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر بصيام النهار بقيام الليل، بذكر الله بقراءة القرآن بالحج بالعبادات كلها فتكاملوا رويداً رويداً، وهم معادنهم طيبة اختارهم الله لصحبة نبيه حتى أصبحوا المثل الأعلى لأمة محمد بعد نبيها .
فيا عباد الله ذاق طعم الإيمان من راضي بالله ربا، وبالإسلام دينا وبحمد  نبيا ، من أقبل على هذا الدين وباع الدنيا بالدين وأقبل يُزكي نفسه، اقبل يُكمل أخلاقه، أقبل على عبادة ربه أقسم الله أحدا عشرا قسماً في كتابه على قوله، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها من زكاها أفلح ومن دساها خاب.
اللهم أتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم افتح لنا أبواب الخيرات، اللهم أرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.
 اللهم اجعلنا ممن يضرب في كل باب من أبواب الخير بسهمٍ وافر، اللهم اجعلنا ممن يضرب فيه بسهمٍ وافر، وممن يُحسن العبادة.
اللهم اجعلنا ممن زكيت نفوسهم وطهرت قلوبهم، وقويت عزائمهم يا رب العالمين، يا حي يا قيوم، اللهم أعزنا بالتوحيد والسنة، وأعز التوحيد والسنة بنا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم استغفروه.