إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا.
عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18]، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر:19]، {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر:20].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[لقمان:33].
ثم اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي رسول الله  وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
يا أهل الإسلام، يا أهل التوحيد يا عباد الله احذروا أشد الحذر أن تكونوا من الظانين بالله ظن السوء فإن ظن السوء بالله أوهامٌ ووساوس وشكوك، يُسربها الشيطان إلى قلوب العباد تضر بتوحيدهم إما أن تُنافي كماله، وإما أن تُنافي أصله، ولذلك جعلها الله بعض هذه الأوهام من صفات المشركين والمنافقين.
قال الله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[الفتح:6].
وقال الله: { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران:154].
يقول بن القيم –رحمه الله-: وأكثر هذا الخلق بل كله إلا من رحم الله وقليلٌ منهم لا يسلم من هذه الآفة وهي: الظن بالله ظن السوء والاعتراض على حكمة الله وعلى قدره، وعدم الوثوق به وحسن الظن به، وهذا كامنٌ في النفوس كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت يُنبئك عما في ضميرك.
 ولكن مستقلٌ ومستكثر ففتش نفسك، هل أنت سالمٌ من ذلك فإن تنجوا منها تنجوا من ذي عظيمة وإلا فإني لا يُخالك ناجية، وقد نقل هذا النقل الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في كتابه التوحيد الذي هو حق الله على العبيد في الباب الثامن والخمسين هذا الباب العظيم، لأنه إحسان الظن بالله، يزيد العبد توحيداً ويقينا ًوتعلقاً بربه ويأساً من غيره.
وظن السوء بالله يُذهب توحيده إما كماله وإما أن يسرى إلى أصل التوحيد فيُذهبه.
يا عباد الله ما أكثر الظانين بالله ظن السوء فيما يحصل لهم، وفيما يحصل لغيرهم، في الأحداث الخاصة، وفي الأحداث العامة، إن رأوا رجلٌ ممكناً بعلمٍ أو بمالٍ أو بسلطانٍ أو بغير ذلك من أنواع التمكين، قالوا: ليس هذا بكفر وإن رأوا رجلٌ محروماً مجدوداً قالوا: هذا لا يستأهل وإن أصابتهم مصيبة قال: لما أنا دون غيره، ولسان حاله يقول: لقد ظلمني ربي، وقد يقول لنفسه، أنا أصلي وأصوم وأزكي لماذا تُصيبني هذه المصائب لماذا يتأخر عني كذا، وإن دعا أصابته الظنون أن دعاءه لا يُجاب أو أن الله لا يسمع دعائه، وإن أصاب المسلمون مصيبة، إن أصاب أهل الإسلام مصيبة من هذه المصائب ظنوا بالله ظن السوء، وأن الإسلام والتوحيد وأهل التوحيد سيبادون ويضمحلون وينتهي الحق، وهكذا ظنونٌ لا تنتهي.
وبعضهم يُخالف أمر الله فيما أوجب عليه في أمر الجهاد مثلاً فيستعجل الجهاد قبل أوانه وقبل شروطه، ثم إذا لم يُنصر أدت به هذه المعصية إلى معصية في التوحيد إلى أمرٍ خطير وهو أن يظن بالله ظن السوء، ويقول: نحن أهل الإسلام، لما لم ينصرنا، لما ينصر أعدائنا علينا، وهكذا هذه الأمور كلها.
عباد الله ربنا حكيم يضع الأشياء في موضعها ثقوا بالله، فلا تظنن بربك ظن سوء، فإن الله أولى بالجميل، ولا تظنن بنفسك قط خيراً فكيف بظالمٍ باغٍ جهول كما وصفها الله، وما يكو من تقن فيها وخيرٍ فتلك مواهب الرب الجليل، وليس لها، ولا منها ولكن من الرحمن، فالشكر للدليل، إن الذي يُظن به ظن السوء هي نفسك الظلومة الجهولة، ورب العالمين لا يُظن به إلا أحسن الظنون.
يا عباد الله أنتم في شهر القرآن من أراد أن يكون أفقه هذا العالم، وأن تُفتح له أسرار الحياة، وأن يتسع أفقه، وأن يعرف قدر الدنيا والآخرة فإذا قرأ القرآن فإن القرآن مملوء بأشياء جزئية مربوطة بأشياء كلية.
فإذا وفقت عبد الله إلى الرب بين هذا الأمر الكلي وبين الأمر الجزئي انفتح لك علمٌ عظيم، وهذا ما ركز عليه الإمام محمد بن عبد الوهاب في تفسيره العظيم أو في استنباطاته، يحرص دائماً على ما ينفع الناس فيربط ما يحصل وما قصه الله من آدم وما قبل ذلك وما بعده يربطه بالأشياء الكلية، أين تجد الأشياء الكلية؟ القرآن مملوء بهذه القواعد الكلية وبهذه السنن التي تسير عليها الحياة، قدرها الله ثم هدى الناس إليها وهذا من عزته وحكمته، أنه لا يحصل شيء إلا وفق ما قدر وفق ما أراد سلفاً جلا ربنا وتقدس.
قد تكون هذه القواعد الكلية تبدأ بحرف إن للتأكيد، إن الله يحب المحسنين، إن الله يحب المتوكلين، إن الله لا يصلح عمل المفسدين، والله لا يحب الفاسد، ونحو ذلك، إنه من يتقي ويصبر فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين، ألاف من هذه القواعد.
وقد تكون هذه القواعد الكلية تبدأ بكلمة وكذلك، وكذلك نجزي المحسنين، وكذلك نجزي المفترين، أي أن هذه سنة في الجميع كل من أحسن هذا جزاءه وكل من افترى هذا جزاءه، كما قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، هذه حادثة قديمة، ثم ربطها الله بالقاعدة الكلية فقال: { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[الأعراف:152].
قال أبو كلابه: هي في كل مفتري إلى يوم القيامة من أهل البدع ذلة في الدنيا وغضبٌ وخزيٌ في الآخرة، وقد يكون القاعدة الكلية وهذا من أعظم الأشياء، قد تكون هذه القاعدة الكلية متمثلة في أسماء الله وصفاته.
يا عباد الله إذا ختمت الآية باسمٍ من أسماء الله الحسنى أو اسمين فاعلموا أن الله يُرشدنا أن ذلك الفعل من أفعاله مربطٌ بمقتضى هذا الاسم من أسماءه، فهذا الفعل الذي في الآية قصه الله علينا هذا مقتضى حكمته أو علمه إذا ختمها بأنه عليمٌ حكيم، أو مقتضى عفوه وقدرته، إذا ختمها بأنه عفو قدير، أو مقتضى غفرانه ورحمته إذا ختمها بأنه غفور رحيم، فاربطوا بين أسماءه الحسنة وصفاته العلى، وبين أفعاله تنحل كل الإشكالات، لأنك إذا أيقنت أن الله حكيم يضع الأشياء في موضعها عرفت لما هدى هذا وأضل هذا، لما أغنى هذا وأفقر هذا، لما مكن هذا واستضعف هذا، هو الحكيم وهو العليم وهو العزيز جلا ربنا وتقدس.
ولذلك أنبياء الله أعلم الناس بربهم، عيسى عليه السلام، في الآخرة يقول: عن المشركين الذين قالوا أن عيسى هو الله يقول لربه: إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، ولم يقل هنا فإنك أنت الغفور الرحيم، لأن كأن غفرت لهم ولم تُعذبهم مع أنهم قد أشركوا فإني أحسن الظن بك ربي وأن هذا من عزتك ومن حكمتك التي قد يدركونها البشر وقد لا يدركونها، وأما غفران الله لأهل التوحيد فهذا من مغفرته ورحمته، يا سبحان الله كم في هذا الكتاب من العجب.
فيا عباد الله هذا باب الفقه الأعظم عند ذلك لا يحصل لك شيء صغير أو كبير مما تحب أو تكره أو يحصل لغيرك، أو يحصل من أحداث فيما مضى أو فيما بقي وفي حاضرنا، ثم تربطها بهذا القواعد الكلية التي قصها الله عليك في كتابه، إلا أصبحت أفقه الفقهاء وعرفت الأسرار وعرفت العلم الحقيقي.
يا عباد الله وهكذا كان أنبياء الله ورسله، ولذلك قال الله: { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[الأحزاب:62]، ولن تجد لسنة الله تحويلا، عباد الله أحسنوا الظن بالله تفقهوا في أسماءه الحسنى وفي صفاته العلا، تعرفوا على ربكم فإنه من كان بالله أخوف كان منه أخوف وكان له أشد حبا، وكان أكثر قرباً له إذا عرف ربه، وهل الخير إلا في أن يعرف العبد ربه، فإنه لو عرفه حق المعرفة، تلقى في توحيده حتى يُخلص التوحيد لربه، وما أوتي العبد في باب شرك أو بدع أو معاصي إلا من نقص معرفته بربه، قال الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }[الزمر:67].
يا عباد الله من سنن الله أهل التوحيد أنهم منصورون ولو تأخر النصر، قال الله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51]، والنصر في الثبات على الدين حتى الممات وفي علو أمرهم وذهاب الباطل الذي يواجه.
وقال الله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:171]، {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ}[الصافات:172]، {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات:173]
وقال الله: { فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود:49]، وقال الله من هذه السنن العظام: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81]، قاعدة كلية والأمر الجزئي زهوق باطن مكة يوم الفتح، والأمر الكلي إن الباطل إلى يوم القيامة كان زهوقا.
ومن القواعد قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:38]، وهكذا عباد الله لا تقرئوا القرآن هزاً كهز الشعر، حتى تنتفعوا به كتاب هداية لكم، كل ما حدث لكم ولغيركم فمرجعه إلى قواعد موجودة في القرآن ولن تشذ حادثة واحدة في الدنيا عن دخولها في تلك القواعد أو في أسماء الله الحسنة وصفاته العلا، فطوبى لعبدٍ قرأ القرآن ثم حكم القرآن في نفسه وفي واقعه، وطوبى لعبدٍ فتش عن نفسه، فإن هذه النفس إذا فتشتها وجدت عيوباً كثيرة، ومن ذلك أنه لا يكاد أحدٌ يسلم من ظن السوء بربه، إن أصابته جائحة أو فقر أو مصيبة أو موت أو غير أو غير ذلك أو قارن نفسه بغير فرأى غيره قد أعطي من هذه الدنيا شيئاً عاد إلى ربه ودخل عليه الشيطان بالوساوس والشكوك، والظنون، في رب العالمين والله أولى بالجميل، هو الجميل ويُحب الجمال، والجمال يراه عباد الله في كل شيء من أسماءه وصفاته وقدره، وشرعه ، ونعمه، وحكمه، جلا ربنا وتعالى.
فيا عباد الله إنما يخشى الله من عباده العلماء، كونوا من العلماء بربكم، ولو قصرتم في معرفة شريعته فلا تقصروا في معرفة أسماءه وصفاته والتقرب إليه فإن هذا هو مفتاح السعادة.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونعوذ بك أن نظن بك ظن السوء فإنك أنت أولى بالجميل وأنت الجميل ومنك الجمال، وأنت الحكيم، وأنت العليم تعالى ربنا وتقدس، اللهم فقهنا في كتابك وفي أسماءك الحسنة وفي صفاتك العلى واجعلنا ننظر إلى كل شيء عبر هذا المنظار الذي جعلته لنا هذا القرآن الحكيم.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس:57]، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم استغفروه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إخواني في الله حصل في هذا الرمضان وفي ليلة الجمعة الماضية حادثة جزئية فلنردها إلى القواعد الكلية التي في القرآن فإنها آية من آيات الله.
أرانا الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم، رجلٌ نبيل يعرف ذلك كل من علمه، لا يُنقم منه إلا سهره على حراسة دول التوحيد وأمنها ولا يُعرف منه إلا الخير والحلم وظهر ذلك في تلك المكالمة الخاصة التي لولا هذا الحدث ما علمنا عنها كيف ينصح ذلك الشاب بأن يجعل الله بين عينيه ثم لا يخاف، ويكرر ذلك مراراً وكيف يُعلم الشاب الحدب على والديه والغيرة على المحارم والمروءة والشهامة وتعليمه الشريعة، وأن الحق الخاص لا يستطيع ولي الأمر التدخل فيه، وأما الأمر العام فقد رخص الله به في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:34].
أمورٌ عظيمة سمعها الناس ورأوها وفي الطرف المقابل شابٌ غر صحب هؤلاء الخوارج فإما شرب من أفكارهم وإما أصبح مطية لهم، فعلوا به أبشع ما يفعل العدو مع عدوه، وهذا فعلهم مع أصحابهم فضلاَ عن أعدائهم فعلوا به أقذر الأمور وأبشعها، وحملوه على الانتحار والغدر والفجور وأشياء كثيرة لا تخفى عليكم، ثم يُكلم هذا الطرف المقابل هذا الأمير ويُكلمه بلغة الغدر ثم يأتي على طائرة الأمير الخاصة ثم يدخل في قصره، ثم يخلو به حتى لا يكون بينه وبينه إلا زراع ونحن قد رأينا هذه العمليات كيف تهدم الدور والقصور وتذهب فيها الأنفس.
ثم كل الأسباب المادية التي يتوقعونها والتي لم يحلموا بها قد حصلت ولكن فوق ذلك العليم القدير رب العالمين وهذا ما لا يحسبون حسابه وكل الأحزاب يجمعها هذا الأمر الاتكال على الأسباب ونسينا رب الأرباب، عندهم أنهم إذا مكروا وغدروا وقرروا أن الأمر سيحصل لا محالة وينسون أن الأمر في يدي الحكيم الخبير.
لما لم يكن بينه وبينه إلا زراع فجر نفسه ذلك التفجير المرعب وتقطع أشلاء وهذا الرجل الجالس عن يساره عن بعد سنتيمترات لم يُصبه أذى لا تعجبوا من لم يعرف القواعد الكلية سيعجب وأما من عرف القواعد الكلية فإنه لن يعجب لأن هذا قدر الله وهذه حكمة الله ما هي القواعد الكلية التي ترجع إليها هذه الحادثة الجزئية؟.
أولاً: إن الله يُدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوانٍ كفور، كفور للنعمة خوان لأمانته.
ثانيا: { إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:81].
ثالثا: { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205].
رابعا: { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
خامساً: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، يرجع عليك.
سادساً: { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} ثم تجد عشرات القواعد فعند ذلك لا تعجب من هذا وتعرف أن هذه آية من آيات الله أرها الله لعباده في شهره الفضيل حتى يوقنوا بحكمته وبرحمته وبعدله، وبتدبيره وبقدرته بعزته جلا ربنا وتعالى، فنسأل الله أن يحفظ أهل التوحيد قادة وشعوباً وأن يحفظ أشبال هذا البيت الذي أسس ملكه على التقوى من أول يوم يعلم ذلك كل منصف، وهذه من النوادر في التاريخ بعد عصر الخلفاء الراشدين والصحابة أن يُنشئ الملك على أساساً شرعي على بيعة مع الإمام المجدد في نصرة التوحيد.
 ولذلك مُكنوا بهذا السبب، فنسأل الله أن يُبصر أشبالهم وأجيالهم المتجددة بسبب ملكهم، وهو نصرة التوحيد والدفاع عنه، وأن هذا هو سبب التمكين، وأن يسوق إليهم من البطانة الصالحة ما تذكرهم بهذا الأمر وتحثهم عليه، وأن يحفظ لنا أمننا وديننا وأن يعصمنا من الفتن، وأن يكفينا شر هذه الأحزاب الضالة التي جمعت كل مخالفة لأمور الإسلام، وأمور الأخلاق الحسنة لما كان يتعفف عنها العرب في جاهليته، يفعلونها اليوم، قاتلهم الله أنا يؤفكون.
اللهم أعزنا بالتوحيد والسنة، وأعز التوحيد والسنة بنا يا رب العالمين، وأعز أهل التوحيد والسنة أينما كانوا، اللهم من غضب لك ولحقك ودافع عن دينك وعن بلدك الطاهر اللهم أحفظهم من بين يديه ومن خلفه، وبصره وأرشده يا رب العالمين.
اللهم إنا نحسن الظن بك، أن هؤلاء المنافقين بشتى أحزابهم وأنواعهم المتغربة، والمتلبسة بالإسلام، أنهم لن يضرون إلا أذى إنما هو أذى وأن العاقبة للمتقين وأن نور الله لن يطفئوه بأفواههم يأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره المشركون، ونحمد الله على هذه النعمة.
اللهم ارزقنا حسن الظن بك واليقين بنصرك، اللهم أقر أعيننا بظهور التوحيد وأهله، وقمع الشرك وأهله، والنفاق وأهله، اللهم اجمع قلوبنا على الحق، وعلى التوحيد والسنة، وأحينا في عافية، وأمتنا على التوحيد والسنة.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، السميع بأقوالنا والعليم بنياتنا هذه هي القاعدة وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا في شهرنا هذا من المقبولين، ومن عتقائك من النار يا رب العالمين اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عنا، اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا إلى أحدٍ من خلقك، وأصلح لنا شئننا كله يا حي يا قيوم، يا رب العالمين.
اللهم نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إله الحق في ساعة مباركة في مكانٍ طيب، وفي جمعٍ طيب وفي فرضٍ من فروضك، اللهم وقد يكون معنا ذوا قمرين لا يأبه له لو أقسم على الله لأبره، اللهم هب لنا قلوباً سليمة، وألسناً صادقة وأخلاقاً حسنة، ونفوساً زكية، ومطعماً حلالا، وعلما نافعا، وفهما سليماً، وعملاً متقبلا، وهمماً عالية، وذرية طيبة، ونية صالحة، وتوبة قبل الموت، وراحة بعد الموت، وتخلصاً من حقوق العباد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله محمد.