يا أهل التوحيد
 
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليما كثيرا.
أيها الناس اتقوا الله تعالى حقّ التقوى، اتقوا ربكم، واتقوا النار التي أُعدت للكافرين، ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281)﴾[البقرة:281].
واعلموا أنّ خير الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واعلموا أنّ شرّ الأمور في دين الله محدثاتها، وأنّ كل محدثة بدعة، وأنّ كل بدعة ضلالة.
أيّها المسلمون، يا أهل الإسلام، يا أهل التّوحيد، يا أهل التوحيد، إنّ التوحيد هو شعار هـٰذا الدِّين، كما أنّ التّثليث هو شعار النّصارى، وكل دين له شعار؛ ولكن الله رحمنا وفضّلنا واصطفانا وهدانا فجعلنا حنفاء مسلمين لله ربّ العالمين لا شريك له.
أيها الإخوة في الله، إنّ التّوحيد هو أساس كل شيء، إنّ التّوحيد لله ربّ العالمين، لأجله خلقت السّمٰوات والأرض ولأجله أُنزلت الكتب وبُعثت الرسل، به تزكو الأعمال وتزكو الأنفس وتصلح القلوب، به يتفاضل النّاس في الدّنيا والآخرة، به يصعد الكلم الطيب والعمل الصّالح.
وهـٰذا التّوحيد -يا أهل التوحيد- وإن كان أصله واحد إلا أنه يتفاضل في القلوب، فبعض الناس؛ بعض أهل التوحيد أحسن توحيدا وأصدق توحيدا من بعض، أعظم توكّلا على الله وأشد حبا لله، وأشد خوفا منه، وأشد مهابة منه وإجلالا وتعظيما وحياء وتفويضا وتصديقا ويقينا، يتفاضل في القلوب، يزيد وينقص، يخلَق ويبلى، وقد يذهب بالكليّة.
يا أهل التوحيد لا تظنّوا أن الله إذ منّ عليكم بالتوحيد أنكم إن لم تريدوا الله والدار الآخرة وتتعاهدوا توحيدكم كل يوم وكل صلاة أنّ هـٰذا أمر محتوم لكم أن تحيوا على التوحيد وتموتوا عليه، إنّ الله إنما يثبّت الذين آمنوا أرادوه وأرادوا الدار الآخرة ويضلّ الله الظالمين.
فيا عباد الله، يا أهل التوحيد، تفقّدوا توحيدكم كل يوم، اعرفوا معناه، وادعوا إليه، والهجوا بذكره في المجالس، في الأعمال، في البيوت، اغضبوا لأجله، وارضوا لأجله، وأحبّوا لأجله وأبغضوا لأجله ليكن الحب والبغض والبلاء والولاء والبراء والعطاء والمنع في التّوحيد وأهل التوحيد، إنّ هؤلاء هم أهل التوحيد حقيقة، إذا دعوا أول ما يدعون إلى التوحيد كما قال إمام أهل التوحيد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحبيبه معاذ لما بعثه إلى اليمن: ((ليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله)) لا تحدِّثهم بالصلاة فما دونها إلا بعد التوحيد، ((أول ما تدعوهم إليه أن يوحّدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم  أن الله افترض عليهم خمس صلوات)) الحديث، وبهذا تخرج كل الجماعات الإسلامية اليوم من أهل التّوحيد الخلّص لأنا ما نراهم يدعون إلى التوحيد، ولا يلهجون بذكره ولا يبدؤون به، لماذا؟ لأنهم أهل دنيا، يريدون التجميع، وأذكياء عرفوا أن التّجميع لا يجتمع مع التوحيد، التوحيد فُرقان، قال أهل مكة عن محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جاءنا بأمر فرّق بين الوالد وابنه والأخ وأخيه والزّوج وزوجه، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾[الفرقان:1]، التوحيد لا يحبه ويدعو إليه ويلهج بذكره إلا أهل الآخرة  الذين لا يجمّعون الناس من حولهم، وإنما يدلونهم على الطريق وإذا عرفوا الطريق لم يكلفوا بهم ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾[الإسراء:84]، وأما أهل الدنيا المجمّعين للناس المستقضين بهم، المريدين بهم أمورا أخرى، فوالله ما رأيناهم يوما يتكلّمون عن التوحيد، بعضهم يدّعي الجهاد ويصيح بأعلى صوت منذ سنين لابسًا ثوب الجهاد وهو يسكن بين أهل الشرك وأهل البدع، ما رأيناه يوما واحدا أصدر بيانا أو رفع عقيرته، أو أنكر عليهم الشِّرك والبدع، أين هـٰذا من دعوة الرسل؟ ما أبعدهم عنها.
أيها الإخوة في الله، كل المصطلحات تتوسع  ويدخل فيها من ليس من أهلها، كان مصطلح الإسلام يكفي في عهد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وعثمان، فلما قتل عثمان لم يعد يكفي، كان أهل السنة يكفي ثم دخل فيه من ليس منه، كان أتباع السلف الصالح السّلفيون يكفي ثم انتحله أناس كثر حتى الخوارج يسمون السلفيون الجهاديون.
أما أهل التوحيد، هـٰذا المصطلح فيرفض، ينفي الخبث؛ لأنه ليس دعوة، إذا قال رجل: أنا من أهل التوحيد ينظر إلى أعماله، ينظر إلى دعوته إلى حبه وبغضه، ولائه وبرائه، قربه وبعده، عطائه ومنعه، التوحيد هو الذي قامت به الرسل.
فيا إخواني، اعتزّوا بهـٰذا الاسم، لا ترض لنفسك باسم إلا أن تقول: أنا من أهل التوحيد، وانتخوا به، وتلقبوا به، هو من الأسماء التي يحبها الله ويرضاها، هو مرادف للإسلام؛ لكن الإسلام كثير من الناس لا يعرفونه؛ وأما التوحيد فإنه يضع النقاط على الحروف، هو الإسلام الحقيقي.
التوحيد هو أن تقصد الله بكل عملك، أن تدعو إليه، أن تحارب الشرك والبدع والخرافات، وتعاهد ذلك من قلبك أخي في الله، تعاهد توكلك على الله، أتشك في كفاية الله؟! لم هـٰذا التردد؟ توكل على الله فوِّض أمرك إلى الله، ارض به، اركن إليه، ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)﴾[المزمل:09]، اتخذه وكيلا ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾[الزمر:36]، أهل التوحيد كلما ضاقت عليهم الأمور كلما ازداد توحيدهم وإيمانهم ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾، والإيمان هو التّوحيد زاد عندهم إلى مستويات عالية في هـٰذه اللحظات ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾[آل عمران:173]، فوّضوا أمورهم لله ورضوا عنه، قال الله: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ كيف يمسّهم السوء وهم قد فوّضوا أمورهم لمن بيده ملكوت السمٰوات والأرض ونواصي العباد وهممهم وإراداتهم، ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)﴾[آل عمران:174-175]، وقال الله: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ﴾[الأحزاب:22]، تحزّبوا من حولهم كما وصف الله ﴿وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)﴾[الأحزاب:10]، أمّا أهل التوحيد فماذا قالوا؟ ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾[الأحزاب:22-23]، اللهم اجعلنا منهم.
قال الله -يضرب مثلا للموحد-: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)﴾[الزمر:29]، الموحّد كالعبد الذي ليس له سيد إلا سيد واحد، فهو يُرضي هـٰذا السيد فيرتاح وينام، الموحد يرضي ربه؛ فإذا أرضى ربه وأصلح ما بينه وبين الله صلح له كل شيء، والمشرك والمبتدع وضعيف الإيمان يُرضي هـٰذا ويداهن هـٰذا ويجامل هـٰذا، ويرجو هـٰذا، ويخاف هـٰذا، ويضيع عمره بين شركاء متشاكسون فعليكم بالتوحيد يا أهل التوحيد، ﴿حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾[الحج:31].
وإني أوصيكم بوصية أخيرة، إن مما يجدد التوحيد في القلوب القرآن، فالقرآن هو كتاب التوحيد الأول، تدبّروه واعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، تأملوا دعوة الرسل، ودعاء الله لكم، والسنة، وكتب الآثار.
وأعظم كتاب في تاريخ الإسلام والمسلمين، كله آيات وأحاديث وآثار، يجدد التوحيد في القلوب هو كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -أعلى الله درجته في المهديين-، يوم دعا إلى التوحيد، وقاتل في التوحيد؛ فأخلفه لله دولة وأمة منذ ثلاثة قرون ونحن نتفيأ ضلالها -رحمة الله عليه رحمة واسعة- والجماعات من هاهنا وهاهنا تتخبط في ظلمات التيه والضلال؛  لأنهم اتخذوا الدين مطية وهم من أهل الدنيا نعوذ بالله من حالهم. كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
إخواني هـٰذا الكتاب الذي وفق فيه الشيخ بنيته الصالحة ولا نزكي على الله أحدا حتى لما أراد أن يذكر الفوائد والعبر من كلامه لم يرض أن يخلطها بالوحي والآثار، وإنما جعل لها مسائل مستقلة إن شئت قرأتها وإن شئت تركتها، وفيها نفع عظيم، وجرد كتابه للوحي والآثار، وجعل فقهه في تبويبه، ولذلك شُبِّه بالبخاري، هـٰذا الكتاب ليس كتاب علم فقط، يقول الطالب: أتقنته وكفى، لا والله، اقرأه اليوم وغدا وبعد غد حتى تموت، فإنه يجدّد التوحيد في القلوب.
(باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، (باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب) وذكر فيه حديث السبعين ألف؛ ((أنهم لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون)) حققوا التوحيد فدخلوا الجنة بغير حساب ولا عذاب، (باب الخوف من الشرك وقول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35)﴾[إبراهيم:35])، (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إلـٰه إلا الله)، (باب تفسير التوحيد ومعنى شهادة أن لا إلـٰه إلا الله) ثم سرد أبواب التوحيد (باب قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾[البقرة:165])، (باب ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)﴾[آل عمران:175])، (باب ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)﴾[المائدة:23])، وآخر الأبواب (باب ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَٰوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾[الزمر:67]).
فيا أهل التوحيد انهضوا بهـٰذه الدعوة، فإنها قد ضعفت في النفوس، وادعوا إلى التوحيد، ولا تملوا من ذكره، فإنه تزكوا به النفوس وتصلح به الأعمال، ولتكن الدعوة أولا إلى التوحيد وكتبه وأشرطته التي تدعو إليه وجددوه في القلوب، وتوكلوا على الله وأحبوه وأريدوه بقلوبكم توفقوا بإذن الله.
اللهم اجعلنا من أهل التوحيد، اللهم اجعلنا من أهل التوحيد المحبين له المتعلقين به، الذين يزدادون كل يوم توحيدا وإيمانا ويقينا وفقها يا رب العالمين، الداعين إليه الذين يغضبون لأجله ويرضون لأجله، ويوالون أهله، ويبرؤون من أهل الشرك وأهل البدع ولو كانوا أقرب الناس يا رب العالمين.
اللهم نور بصائرنا، اللهم أحينا مسلمين موحدين وأمتنا على ذلك يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم، اللهم زدنا إيمانا وتوحيدا ويقينا وفقها يا رب العالمين، يا حي يا قيوم.
اللهم أحينا على الإسلام والسنة، وأمتنا عليها يا رب العالمين.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت حتى نلقاك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين، أنت حسبنا ونعم الوكيل.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.