سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة حفظه الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
اطلعت على مقال الكاتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في زاويته: (شيء ما)، والذي وسمه بعنوان (فصل المرأة عن الرجل) في العدد 12617, وتاريخ 27-3-1428هـ.
وكانت لي حوله الملحوظات الآتية:
1- نعى الكاتب في مقاله على التطرف والمتطرفين ودعا إلى مواجهتهم؛ إذ يقول: (والتطرف في الفصل بين النساء والرجال قضية لا بد أن نحسمها وأن نواجهها بحزم). وأنا أقول: نعم. ولكن يجب أن نعلم أن التطرف له جانبان: إفراط وتفريط، أو تشدد - كما يحلو للكاتب أن يسميه - وتساهل، وكما يجب علينا أن نحارب هذا، يتحتم علينا أن نواجه ذاك؛ لأن: (كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ).
2- الدعوة إلى الفصل بين الرجال والنساء أمر قرره الشرع؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للنساء، وقد اختلطن بالرجال في الطريق: (استأخرن فإنه ليس لَكُنّ أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار من لصوقها به.
ويقول الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - في كتابه مجموعة أسئلة تهم المرأة المسلمة: (ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعن من الرسول صلى الله عليه وسلم.. وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة.
ويقول الإمام ابن القيم في الطرق الحكمية: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة).
3 - برر الكاتب رفضه لظاهرة الفصل بين النساء والرجال بأنها حجر عثرة وعقبة كأداء في طريق التحضر والتنمية الاجتماعية. وليس ما قاله الكاتب هنا بدعاً من القول؛ فأكثر من يهاجم ثوابت الدين وقيمه يلوك مثل هذه العبارات المكرورة التي مللنا سماعها، وانكشف للناس عوارها. ولا أدري ما العلامة الفارقة التي ستستجد في طريق تحضرنا إن أفسحنا المجال أمام المرأة لتزاحم الرجال وتقف إلى جوارهم!! فليت شعري هل سنتمكن حينئذ من صنع صاروخ يسبر أغوار الفضاء؟! أم لعلنا سنكتشف أسرار القنبلة الذرية!!. وللأسف فالمشاهد الآن أن التساهل في قضية الفصل بين الرجل والمرأة هي التي أدت إلى تراجع قيمنا الاجتماعية المحمودة؛ فإفساح الطريق للمرأة، وتقديمها على الرجل عند أماكن المحاسبة أو الصراف الآلي وغيرها من المظاهر التي تعكس احترام الرجل للمرأة، أخذت في الانحسار؛ وما ذاك إلا بسبب اتساع ظاهرة الاختلاط، وإصرار المرأة على أن تكون صنو الرجل ومثله في كل شيء، وكأني بالرجل يقول: مادامت اختارت ذلك فلتتحمل الضريبة.
4 - مثل الكاتب على اتجاه مواقف المتطرفين نحو التشدد المتزايد - كما يدعي - على المطالبة بالفصل بين الجنسين في معرض الكتاب الأخير، واستغرب كيف ينادى بالفصل مع أن المعرض سوق كسائر الأسواق، ودعا إلى عدم الاستجابة لمثل هذه الأصوات؛ لأن الفصل - كما يؤكد الكاتب مرة أخرى - أعاق كثيراً من تقدمنا الاجتماعي. ومادام الكاتب آثر إلا أن يذكر معرض الكتاب، فسأذكر تجربتي الشخصية مع هذا المعرض؛ فقد اضطررت للخروج منه بعد وقت قصير من ذهابي ودون أن أحصل على ما أريد، وما ذاك إلا بسبب الأعداد الكبيرة، وازدحام الرجال والنساء. بل إن إحدى زميلاتي امتنعت عن الذهاب أصلاً لهذا السبب. فما العائق الحقيقي إذن؟.
أما تعجبه من المطالبة بالفصل في المعرض مع أنه سوق، فنعم هو سوق ولكنه يختلف عن سائر الأسواق؛ لأن له مكاناً وزماناً محددين، ومن ثم فمظنة الازدحام فيه كبيرة ليست كغيره من الأسواق، وهذا ما وقفت عليه بنفسي. ثم ما الذي يضير الكاتب من تخصيص أوقات معينة للنساء يتمكنَّ خلالها من الحصول على بغيتهن بدون عوائق أو مضايقات؟؟ ثم إذا كان يرى من قلمه قلماً وسطياً معتدلاً فالأجدر به أن ينادي إلى حل متوسط كأن تجعل أياماً للرجال فقط وأخرى للنساء فقط وأخرى للعوائل، وليختر كل ما يناسبه.
5 - دعا الكاتب إلى تحديد مجالات الفصل (وبدقة)، زاعماً أن ذلك يغلق الباب أمام من يسميهم بالمتشددين حتى لا يتمادوا في مناداتهم بالفصل في كل مناشط الحياة. فيا سبحان الله الفصل (المقرر في الشريعة) لا بد أن يؤطر ويحدد في مجالات ضيقة.
6 - في إشارة الكاتب إلى ضرورة عدم الإذعان لأصوات المتشددين، لأنهم ربما يطالبون في المستقبل بطائرات للرجال وأخرى للنساء. فيبدو أنه لم يقرأ ما ورد في الصحف من اتجاه بعض الدول غير الإسلامية أو المتحضرة - وفق منظوره - إلى تخصيص بعض عربات القطار للنساء فقط. فما الذي دفع هؤلاء للفصل بعد أن جربوا عدم الفصل؟!.. أم أن الكاتب سيصفهم بالمتشددين أيضاً؟!..
7 - نادى الكاتب في نهاية مقاله إلى الاحتكام للعقلانية. ونحن نقول مرحباً بالعقلانية إذا كانت منضبطة بإطار الشرع لا متمردة عليه. ثم دعا إلى تغليب مصالح البلاد التنموية والاقتصادية ووضعها بين أعيننا. ولعل الكاتب تناسى أن دولتنا أعزها الله وحكامها الأخيار حريصون على تقدم هذه البلاد وازدهارها، وهم قبل ذلك متمسكون بالشريعة التي من قواعدها: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). هذا إذا سلمنا بأن هناك مصالح حقيقية ضاعت بسبب الفصل. إلا إذا كان يلمح إلى ما تريد أن تفرضه علينا منظمة التجارة العالمية وغيرها من منظمات العولمة فأذكِّره بقول الحق تبارك وتعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). ولا أدري لماذا يدندن الكاتب بعبارات مثل: أعاقت تقدمنا.. مزيداً من الخسائر.. مصلحة البلاد؟.
عزيزة عبدالله سعد
الرئيسية 
