من عنوانك أُدِينُك ( رد على ربيع المدخلي )

الشيخ عبد الحميد الجهني: من عنوانك أُدِينُك ( رد على ربيع المدخلي )
بسم الله الرحمن الرحيم
من عنوانك أُدِينُك

الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ,
أما بعد :
فقد وقفت على مقال للشيخ ربيع المدخلي , عنوانه ( الحداديون التكفيريون يرمون أهل السنة السابقين واللاحقين وأئمتهم بالإرجاء لأنهم يقولون " الإيمان أصل والعمل فرع ) , وهو مقال قديم له , أعاد نشره – متظاهرا – بالرد على بعض طلبة العلم الذين ذكرهم في أول المقال , وهو يريد شيئا آخر, سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
وسوف أقف مع هذا العنوان فقط , فهو يكفي إن شاء الله في بيان فساد ما وراءه .

فقوله : الحداديون , فالسؤال هنا من هم هؤلاء الحداديون؟
بعد البحث والاستقصاء تبين لي أن الحدادية عند ربيع المدخلي هم طلاب العلم الذين يخالفونه ويردون عليه في مسائل الإيمان . فالرجل له خصوم وأعداء كثر , وهو لا يستعمل هذا اللقب إلا في خصومة متعلقة بباب الإيمان , فكل طالب علم يقرر مذهب السلف في الإيمان وينكر على المدخلي قوله وتوجهاته المعروفة نبزه بأنه حدادي . ولو أن شخصا من أعضاء شبكة سحاب – مثلا - هداه الله إلى الحق في باب الإيمان وقام بالإنكار عليهم , لآذوه ونبزوه بالحدادي !
هذه قاعدة ثابتة عندهم , والأدهى والأمر من ذلك - عندهم - أنهم يأتون إلى كلام السلف وتقريراتهم في باب الإيمان ويقولون : أصول الحدادية !
فما رأيت ولا سمعت في حياتي جهلا مركبا كهذا إلا أن يكون عند الرافضة وغلاة الصوفية .

فإن قال قائل : لِمَ قلتَ إن الحدادية عند ربيع المدخلي هم طلاب العلم , علما بأن علماء كبار يخالفونه ويردون عليه , بل ويكذّبونه فيما يقول ؟
فالجواب : لأن ربيعا – مع الأسف الشديد - إنما ( يتشطّر ) ويستقوي علينا, نحن الضعفاء من طلاب العلم , أما الكبار فيجبُن عن المساس بهم , وهذا سماحة المفتي - حفظه الله - قد رد عليه , وقال عنه بأنه صاحب توجهات ( أي توجهات إرجائية ) ومع ذلك خنس الشيخ ربيع فلم يرد على سماحة المفتي بكلمة واحدة , ولما قام العبد الضعيف عبدالحميد الجهني – في الوقت نفسه – يكتب مقالات في الرد على موجة الإرجاء , ومع أنه لم يذكر اسم المدخلي في مقالاته , إلا أن هذا الأخير قام ونبزه وشهّر به , ولو كانت المقالات التي كتبها عبدالحميد هي لسماحة المفتي, لما تجرأ ربيع أن يحوم حوله , فضلا عن أن يذكر اسمه , وهذا شيء لا يليق بحامل لواء الجرح والتعديل , لأن حامل اللواء لابد أن يكون شجاعا ثابتا أمام الجميع , أما إذا ظهر الشيخ الفوزان أو الشيخ الراجحي اختفى اللواء وصاحبه , فإذا كتب العبد الضعيف عبدالحميد أو أحد من إخوانه الضعفاء , حضر اللواء وصاحبه , بل وألوية " سحاب " كلها لتقذف وتقذع وتفسد وتستطيل في الأعراض بلا خوف من الله ولا حياء من الناس !

ولقد قال بعض طلاب العلم : إن ربيعا جدد نشر هذا المقال – وهو مقال قديم كتبه قبل ثمان سنوات – ليرد على التسجيل الذي ظهر للشيخ صالح الفوزان , وفيه يُسأل الشيخ صالح الفوزان عن كلمة ربيع هذه أن أهل السنة يقولون إن الإيمان أصل والعمل فرع .. إلى آخره , فقال الشيخ : هذا كذاب .. هذا كذب .
والذي يظهر لي أنه كذلك , ولكن لماذا لا يرد ربيع على الشيخ الفوزان صراحة , لماذا هذا الخور والجبن مع العلماء الأقوياء , والشجاعة والاستبسال مع طلاب العلم الضعفاء ؟
لأن ربيعا يعلم أن كلامه فيهم يضره هو , أما عبدالحميد وأمثاله فلو تكلم فيهم وقال عنهم ما قال فلن يضره , أي أمام الأتباع . أما عند الله , فالله أعلم وهو أحكم الحاكمين , القائل سبحانه في الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) أخرجه مسلم

ثانيا : قوله ( التكفيرية )
لماذا أطلق ربيع المدخلي علينا هذا الوصف ؟
لأننا نكفر تارك العمل , ولأننا نكفر تارك الصلاة .
ليس بيننا وبينه مسائل تكفير إلا هذه ,
فيا ربيع ! أتقول عن الذي يكفر تارك العمل أو تارك الصلاة تكفيري !
لقد خبت وخاب مسعاك إذن ! فإن الذي يكفر تارك العمل وتارك الصلاة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ,
سبحان الله !
قصدت الإساءة إلينا بأننا نرمي أهل السنة وأئمتها بالإرجاء , ها أنت ترمي الصحابة ومن تبعهم من الأئمة بأنهم تكفيريون .
هل تعلم لماذا وقعت في هذه الزلة الشنيعة ؟
لأنك مفترى , وقد قال الله تعالى ( وقد خاب من افترى )

ثالثا : قوله : يرمون أهل السنة السابقين واللاحقين وأئمتهم بالإرجاء لأنهم يقولون الإيمان أصل والعمل فرع .
نحن لم نرم أهل السنة السابقين واللاحقين وأئمتهم بالإرجاء لأنهم يقولون الإيمان أصل والعمل فرع . فهذه من مخترعاتك .
بل نقول : إن المرجئ هو الذي يصحح الإيمان بالقول فقط , سواء جعل العمل داخل الإيمان أو خارج الإيمان , فهذا نزاع لفظي , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . ( المجموع 621/7 )
وأنت ممن يصحح الإيمان بالقول فقط , فهذه عقيدتك التي بها تصول وتجول , وتحتج عليها بأحاديث الشفاعة , وترمي من يخالفك فيها بالحدادية , ومن رد عليك من طلاب العلم قصمت ظهره ليس بالعلم – وليته كان كذلك - بل بأسلوبك المعروف الذي هو غاية في اللطف ؟
( الحداديون التكفيريون ... ) إلى غير ذلك من العناوين اللطيفة ؟

أما من يقول إن الإيمان أصل والعمل فرع , من علماء السنة, فإنما يريد أن العمل ثمرة الإيمان الذي في القلب , كما قال الإمام ابن القيم – ونقلته أنت عنه ولكن لم تفهم كلامه – قال رحمه الله في تفسير الآية ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) :
فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح ,والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع ,وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنية ؛فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة .
وكما قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله – فيما نقلته أنت في مقالك ولم تفهمه أيضا - :
شجرة الإيمان ,أصلها ثابت في قلب المؤمن ,علماً واعتقاداً .وفرعها من الكلم الطيب ,والعمل الصالح ,والأخلاق المرضية ,والآداب الحسنة ,في السماء دائماً ,يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ,ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره . انتهى
فتأمل في قوله " التي تخرجها شجرة الإيمان " فهذا هو المقصود عندهم أن العمل ثمرة الإيمان . وهذا – في الحقيقة – رد على المرجئة , لأنه تلازم بين الباطن والظاهر , والمرجئة لا تقول بهذا . وعلى هذا المعنى تكون هذه الكلمة موافقة لعقيدة السلف الصالح أن الإيمان قول وعمل .
وأنا - في واقع الأمر - لم أذهب بعيدا , بل انقل من مقالك لأثبت انك تنقل كلاما للعلماء ثم تفسره بحسب هواك ورأيك . لا بحسب عقيدة هؤلاء العلماء , فلا تلومن أحدا من العلماء إذا قال عنك : إنك تكذب !
فليس أحد من هؤلاء العلماء والأئمة قبلهم يفهم من هذه الكلمة ما تفهمه أنت منها أن الإيمان أصل وأن العمل فرع أي أن هذا الفرع كمال يمكن أن يُقطع ويبقى الأصل صحيحا , فهذا قول المرجئة .
ثم إن العلماء السلفيين الذين قالوا هذه الكلمة, يجب حمل كلامهم على المعنى السلفي الصحيح . وليس على فهم المرجئة . وحيئنذ لا يكون لك حجة في كلامهم , وجميع النقولات التى نقلتها عنهم تسقط لأنها وضعت في غير موضعها .
والشيخ صالح الفوزان حينما قال عن مقالتك هذه إنها كذب , صدق في ذلك , لأنه لم يقصد أن نقلك عن العلماء كذب , فهو مطلع على هذه الأقوال , ويعلم أن بعض أهل العلم قالوا هذه الكلمة ( إن الإيمان له أصل وفرع ) , ولكن الشيخ يقصد بالكذب, أي على العلماء في فهم هذه الكلمة , فالكذب يكون في الرواية ويكون في الدراية , يكون في اللفظ ويكون في المعنى , فالأشاعرة – مثلا – كذبت على الله حينما فسرت ( استوى ) بـاستولى .
وهكذا أنت , قد كذبت على العلماء – عند الشيخ صالح الفوزان – حينما فسرت كلامهم على هواك ومذهبك الإرجائي .
والعجيب أنك تترك الواضح من كلام أهل العلم وتتبع المتشابه , بل تحمل كلامهم الواضح البين على هذه العبارة المتشابهة . ولا عجب فقد فعلت هذا مع النصوص الشرعية , حين اتبعت اللفظة المتشابهة ( لم يعملوا خيرا قط ) وتركت الأدلة الصريحة ( الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح ) كما بينت ذلك في مقالي ( محاكمة المرجئة العصرية على ضوء القواعد السلفية )
ومثلك في ضعف حجته يستدل بأي شيء , ولو كان شيئا سخيفا مضحكا , كقولك في هذا المقال :
" وعندهم الآن وأمام أعينهم تشاد في الجامعات كليات باسم كليات أصول الدين , وكليات الشريعة أي الفروع .
فعلى أي أساس قامت هذه التسميات على أيدي علماء السنة والتوحيد ؟ على مذهب الإرجاء عند الحدادية وعلى مذهب أهل السنة عند أهل السنة "
بالله عليكم ! أهذه حجة يحتج بها في العقيدة ؟
لكنه الإفلاس الذي يجعل صاحبه يتعلق بأدنى شيء , والله المستعان !
ثم الكلمة التي ختمت بها مقالك تدل أيضا أنك لم تفهم الإرجاء على حقيقته , حيث قلت : " وحاصل ما دل عليه الكتاب والسنة وكلام الأئمة: أن للإيمان أصولاً وفروعاً وكمالاً وأن الإيمان كالشجرة الطيبة لها أصل وفروع وثمار وتلك الفروع والثمار من تلك الشجرة .
فأين هذا المذهب الأصيل القائم على الكتاب والسنة وآمن به أساطين الأمة من مذهب الإرجاء الذي لا يعتبر العمل من الإيمان وأنه لا يزيد ولا ينقص ,أي أنه ليس من شجرة الإيمان ،وأهل السنة يعتبرون العمل من الإيمان وفرع وكمال للإيمان ومن شجرة الإيمان "
فتظن إن المرجئة هم – فقط - الذين يخرجون العمل من الإيمان ,ولا يقولون بالزيادة والنقصان فيه , فهذه بعض مقالات المرجئة , وأنت ومن معك موافقون لهم كما كنت بينته ووضحته في مقالي ( حوار مباشر بين مرجئ قديم ومرجئ معاصر )
وتأبى عليك نفسك أن توافق السلف ولو في عبارة , حتى ترجع إلى مذهبك , تقول هنا " وأهل السنة يعتبرون العمل من الإيمان " فهذا حق , ثم تقول بعدها مباشرة " وفرع وكمال للإيمان " فأفسدت بالعبارة الثانية العبارة الأولى . لأن الفرع والكمال عندك ليس شرطا للصحة .
فهذه نماذج مما في مقالك من النوادر , لو تتبعناها لطال الكلام , ولسنا بحاجة أن نضيع الوقت في مثلها , فإن الحق في هذه المسائل واضح بحمد الله تعالى ,
وها أنت ومعك الآلة الإعلامية القطرية ( شبكة سحاب ) من عشر سنين وأنتم في نشاط محموم في نشر الإرجاء ( كتابات! ومقالات! وتزكيات! ومقدمات! وتعليقات! وتحذيرات!) فلم تصنعوا شيئا سوى أنكم فضحتم أنفسكم وأضللتم من معكم من الشباب .
والحق ثابت , عند الراسخين في العلم , من توجه إليهم استفاد منهم , ومن كان له ( توجهات ) أخرى , فالله حسيبه على ما يفسد من عقائد المسلمين !

كتبه
عبدالحميد بن خليوي الجهني
ينبع – السعودية
الجمعة 6 رمضان 1435ه