الثقافة الإسلامية في عصر العولمة (1- 2 )
سهيلة زين العابدين حمَّاد
إنَّ الموضوع الذي نحن بصدده جد خطير وهام؛ إذ لابد من هذه الوقفة مع واقع الثقافة في عالمنا الإسلامي الذي يواجه الآن كل تحديات أنواع العولمة (الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأدبية، واللغوية، والفكرية، والثقافية).
ومما لاشك فيه أنَّ هذه المجالات جميعها تكون عقيدة وفكر وثقافة الأمة التي من خلالها يتحدد سلوك أفرادها، وقرارات قاداتها.
وقراءة منا لواقع الثقافة في عالمنا الإسلامي، وحال مثقفيها نجد أنَّنا -للأسف الشديد- مهيئين تماماً لقبول العولمة، بل والذوبان في الآخر، وهذه ليست نظرة تشاؤمية، ولكن حاضرنا الثقافي هو الذي يشهد بهذا، فنحن منذ ظهور الإسلام حتى وقتنا الراهن كنا فريسة لمخططات الغرب التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة، ولابد لنا أن نكون صريحين وواقعين حتى لانخدع أنفسنا ونوهمها بحسن نية الآخر تجاهنا، وحتى لا نعطي للآخر حجماً أكبر من حجمه، أو نستهين بما يخططه ضدنا للتظاهر بأننا لسنا من ذوي نظرية التآمر التي نجح الغرب في أن يجعل عددًا كبيرًا من مثقفينا يعتنقها ليخطط ويحقق أهدافه دون أن توجه إليه أصابع الاتهام، ولنتقبل ما يخطط لنا دون إدراك أبعاد وخطورة هذه المخططات كما هو حاصل الآن، علينا أن نقرأ التاريخ، ونتعرف على حقيقة علاقة الشرق بالغرب، وأبعاد هذه العلاقة وأهدافها، ونتوقف عند علاقة الغرب بالإسلام وموقفه منه، ومخططاته لمواجهته، ونظرته للمسلمين عامة وللعرب بصورة خاصة، وما يفعله الآن معنا.
إنَّ ما يحدث ليس وليد التسعينيات من القرن العشرين ولكنه حصيلة قرون عديدة تصل إلى ما قبل عصور التاريخ، ومما ينبغي علينا أن نحذر من الغرب؛ لأنه يريد طمس هويتنا ومسخ شخصيتنا واقتلاعنا من جذورنا وإحلال ثقافته ودينه وعقيدته وأمراضه وانحلاله محل ديننا وثقافتنا وقيمنا وأخلاقياتنا، مع فرض هيمنته السياسية والاقتصادية والعسكرية علينا، وحرماننا من حق المعارضة وإبداء الرأي، والدفاع عن حقوقنا الشرعية. وجعلوا منا من أصبح يناهض كل ما هو إسلامي، ويطالب بإلغاء ثوابت الإسلام، وإسقاط الإسلام من دساتير الدول الإسلامية، وقصره على العبادات، ومنا من فقدوا ثقتهم في العقلية الإسلامية، وشككوا في قدرات المسلمين، ونسبة إنجازات المسلمين للغرب، ووصفوا الإسلاميين بسرقة أفكار الغربيين ونسبتها إليهم، بل نجد اللغة الإنجليزية قد أصبحت هي الأساسية في الدراسات الجامعية في جامعاتنا، ليس في العلوم التجريبية فقط، بل أصبحت لغة دراسة الاقتصاد والإدارة أيضاً.
كما نجد الغرب قد نجح في نسبة الإرهاب إلى الإسلام بشرائه لمجموعة من الأفاكين مستغلين حبهم للمال وحاجتهم إليه للقيام بأعمال إرهابية، ونسبتها إلى جماعات إسلامية، هم في الغالب وراء إيجادها وتكوينها، حتى أصبحت الحكومات الإسلامية تخشى من كل ما هو إسلامي.
أليس هذا هو واقعنا الآن؟
قد يقول قائل: الخطأ خطؤنا ونحن أوصلنا أنفسنا إلى ما نحن عليه الآن، وأنا أتفق مع هذا القائل، ولكن لكي نكون واقعيين لابد لنا أن نضع أيدينا على الأسباب التي أوصلتنا إلى الحال هذه، ومن وراءها؛ علَّنا نستطيع تلافيها. وهنا يتطلب منا أن نطرح هذه الأسئلة:
متى تعَّرف الغرب إلى الشرق؟ وماذا كانت طبيعة هذه العلاقة؟ وما أهدافها وغاياتها؟ وكيف كانت نظرة الغرب إلى الشرق؟ وما هو تأثيرها على الثقافة العربية والإسلامية؟
وسأبدأ بالإجابة عن السؤال الأول:
متى تعرَّف الغرب إلى الشرق:
لقد تعرَّف الغرب إلى الشرق عبر قرون طويلة، وعن طريق عدد كبير من الكتَّاب والرَّحالة والجغرافيين والمؤرخين، وقد اختلفت وسائل اتصال أوربا بالشرق باختلاف أهدافها وبواعثها من وراء هذا الاتصال، وقد بدأت بعلاقات تجارية ترجع إلى أيام الكنعانيين، ثمَّ تلتها علاقات حرب واحتلال في زمن الإسكندر الأكبر في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد الذي وقف علماؤه لدراسة الشرق ليتمكن من غزوه. وهذه تعد البداية الحقيقية للاستشراق.
صورة الإسلام في أوربا من خلال الكنسية وكتابات المستشرقين:
وعندما ظهر الإسلام كثّفت الكنيسة جهودها لمهاجمة الإسلام والنبي محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ولقد ظهرت آراء ومواقف فظة ومشوبة بالعصبية في العقيدة الإسلامية، وقد أوضح المستشرق البريطاني ريتشارد سوذرن في كتابه "صورة الإسلام في أوربا في العصور الوسطى"، وكذلك نظيره نورمان دانيال في كتابه "العرب وأوربا في العصور الوسطى" تلك المواقف الفظة المشوبة بالعصبية ضد الإسلام ونبيه -محمّد صلى الله عليه وسلم ، وإلحاق فعال وصفات به هو منزه عنها، ولا تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة، فقط ليشوهوا صورته وليصرفوا الناس عن الإيمان برسالته وبنبوته، وليفرغوا حقدهم عليه، والمجال لا يتسع لذكر ما نسبوه إليه باطلاً، ولكن يبين لنا هذا أنهم في تعاملهم معنا يخرجون عن جميع مبادئ وأسس الحوار العلمي الموضوعي المنطقي الذي يتظاهر به الغرب في نقاشه وحواره معنا.